responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 6  صفحه : 4
أَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ كَانَ ذَلِكَ جَهْرًا بِسُوءٍ مِنَ الْقَوْلِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ:" مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ"] النساء: 147] عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ وَالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى الشُّكْرِ وَالْإِيمَانِ. ثُمَّ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ:" لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" فِي إِقَامَتِهِ عَلَى النِّفَاقِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَلَسْتَ الْمُنَافِقَ الْكَافِرَ الَّذِي لَكَ فِي الْآخِرَةِ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ؟ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، أَيْ لَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَهُوَ ظَالِمٌ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: وَهَذَا شَأْنُ كَثِيرٍ مِنَ الظَّلَمَةِ وَدَأْبِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَ ظُلْمِهِمْ يَسْتَطِيلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَنَالُونَ مِنْ عِرْضِ مَظْلُومِهِمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" فَقَالَ سُوءًا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَحَادِيثُ مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ). وَقَوْلُهُ: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) قَالُوا: هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: (تَكُفُّهُ عَنِ الظُّلْمِ). وَقَالَ الْفَرَّاءُ:" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" يَعْنِي وَلَا مَنْ ظَلَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) تَحْذِيرٌ لِلظَّالِمِ حَتَّى لَا يَظْلِمَ، وَلِلْمَظْلُومِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى الْحَدَّ فِي الِانْتِصَارِ. ثُمَّ أَتْبَعَ هَذَا بِقَوْلِهِ:" إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ" فَنَدَبَ إِلَى الْعَفْوِ وَرَغَّبَ فِيهِ. وَالْعَفْوُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" آلِ عِمْرَانَ" [1] فَضْلُ الْعَافِينَ] عَنِ النَّاسِ [[2]. فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا. وَقِيلَ: إِنْ عَفَوْتَ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْفُو عَنْكَ. رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يقول: إذا جئت الْأُمَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُودِيَ لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا، يُصَدِّقُ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" [الشورى: 40] «3»

[1] راجع ج 4 ص 207.
[2] من ز.
(3). راجع ج 16 ص 38.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 6  صفحه : 4
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست