responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 6  صفحه : 262
الثَّالِثَةُ- قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا شَابَهَهَا وَالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَاهَا رَدٌّ عَلَى غُلَاةِ الْمُتَزَهِّدِينَ، وَعَلَى أَهْلِ الْبَطَالَةِ مِنَ الْمُتَصَوِّفِينَ، إِذْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ قَدْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِ، وَحَادَ عَنْ تَحْقِيقِهِ، قَالَ الطَّبَرِيُّ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تحريم شي مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ طَيِّبَاتِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ وَالْمَنَاكِحِ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِحْلَالِ ذَلِكَ بِهَا بَعْضَ الْعَنَتِ وَالْمَشَقَّةِ، وَلِذَلِكَ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّبَتُّلَ عَلَى ابْنِ مَظْعُونٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ لا فضل في ترك شي مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ، وَأَنَّ الْفَضْلَ وَالْبِرَّ إِنَّمَا هُوَ فِي فِعْلِ مَا نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَيْهِ، وَعَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَنَّهُ لِأُمَّتِهِ، وَاتَّبَعَهُ عَلَى مِنْهَاجِهِ الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ، إِذْ كَانَ خَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ تَبَيَّنَ خَطَأُ مَنْ آثَرَ لِبَاسَ الشَّعْرِ وَالصُّوفِ عَلَى لِبَاسِ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ إِذَا قَدَرَ عَلَى لِبَاسِ ذَلِكَ مِنْ حِلِّهِ، وَآثَرَ أَكْلَ الْخَشِنِ مِنَ الطَّعَامِ وَتَرْكَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ حَذَرًا مِنْ عَارِضِ الْحَاجَةِ إِلَى النِّسَاءِ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْخَيْرَ [1] فِي غَيْرِ الَّذِي قُلْنَا لِمَا فِي لِبَاسِ الْخَشِنِ وَأَكْلِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ وَصَرْفِ مَا فَضُلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْقِيمَةِ إِلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ فَقَدْ ظَنَّ خَطَأً، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ صَلَاحُ نَفْسِهِ وَعَوْنُهُ لَهَا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهَا، ولا شي أَضَرَّ لِلْجِسْمِ مِنَ الْمَطَاعِمِ الرَّدِيئَةِ لِأَنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِعَقْلِهِ وَمُضْعِفَةٌ لِأَدَوَاتِهِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبًا إِلَى طَاعَتِهِ. وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارًا لَا يَأْكُلُ الْفَالَوْذَجَ فَقَالَ: وَلِمَ؟ قَالَ: يَقُولُ لَا يُؤَدِّي شُكْرَهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ: أَفَيَشْرَبُ الْمَاءَ الْبَارِدَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: إِنَّ جَارَكَ جَاهِلٌ، فَإِنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ أَكْثَرُ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْفَالُوذَجِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا إِذَا كَانَ الدِّينُ قَوَامًا، وَلَمْ يَكُنِ الْمَالُ حَرَامًا، فَأَمَّا إِذَا فَسَدَ الدِّينُ عِنْدَ النَّاسِ وَعَمَّ الْحَرَامُ فَالتَّبَتُّلُ أَفْضَلُ، وَتَرْكُ اللَّذَّاتِ أَوْلَى، وَإِذَا وُجِدَ الْحَلَالُ فَحَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ وَأَعْلَى. قَالَ الْمُهَلَّبُ: إِنَّمَا نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّبَتُّلِ وَالتَّرَهُّبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُكَاثِرٌ بِأُمَّتِهِ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا مُقَاتِلٌ بِهِمْ طَوَائِفَ الْكُفَّارِ، وَفِي آخِرِ الزَّمَانِ يُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يكثر النسل.

[1] في ج وك: الفضل.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 6  صفحه : 262
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست