responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 6  صفحه : 150
لَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكِتَابِ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا قَالَ: إِنَّمَا سَمَلَ] النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [[1] أَعْيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ، فَكَانَ هَذَا قِصَاصًا، وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُحَارِبِ الْمُؤْمِنِ. قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَهُوَ مَعْنَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ" وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكُفَّارَ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمْ فِي زَوَالِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُمْ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ الْقُدْرَةِ كَمَا تَسْقُطُ قَبْلَ الْقُدْرَةِ. وَالْمُرْتَدُّ يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ- دُونَ الْمُحَارَبَةِ- وَلَا يُنْفَى وَلَا تُقْطَعُ يَدُهُ وَلَا رِجْلُهُ وَلَا يُخَلَّى سَبِيلُهُ بَلْ يُقْتَلُ إِنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَلَا يُصْلَبُ أَيْضًا، فَدَلَّ أَنَّ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مَا عُنِيَ بِهِ الْمُرْتَدُّ. وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ:" قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ" [الأنفال: 38]. وَقَالَ فِي الْمُحَارِبِينَ:" إِلَّا الَّذِينَ تابُوا" الْآيَةَ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَعَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لَا إِشْكَالَ وَلَا لَوْمَ وَلَا عِتَابَ إِذْ هُوَ مُقْتَضَى الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ" [2] [البقرة: 194] فَمَثَّلُوا فَمُثِّلَ بِهِمْ، إِلَّا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْعِتَابُ إِنْ صَحَّ عَلَى الزِّيَادَةِ فِي الْقَتْلِ، وَذَلِكَ تَكْحِيلُهُمْ بِمَسَامِيرَ مُحْمَاةٍ وَتَرْكُهُمْ عَطَاشَى حَتَّى مَاتُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنِ السُّدِّيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْمُلْ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ وَإِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ نَاهِيَةً عَنْ ذَلِكَ، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّ الْأَخْبَارَ الثَّابِتَةَ وَرَدَتْ بِالسَّمْلِ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: فَأَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ مُتَرَتِّبٌ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَتْ نَزَلَتْ فِي الْمُرْتَدِّينَ أَوْ الْيَهُودِ. وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" اسْتِعَارَةٌ وَمَجَازٌ، إِذِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُحَارَبُ وَلَا يُغَالَبُ لِمَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَلِمَا وَجَبَ لَهُ مِنَ التَّنْزِيهِ عَنِ الْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ. وَالْمَعْنَى: يُحَارِبُونَ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ، فَعَبَّرَ بِنَفْسِهِ الْعَزِيزَةِ عَنْ أَوْلِيَائِهِ إِكْبَارًا لِإِذَايَتِهِمْ، كَمَا عَبَّرَ بِنَفْسِهِ عَنِ الْفُقَرَاءِ الضُّعَفَاءِ فِي قَوْلِهِ:" مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً"] البقرة: 245] حَثًّا عَلَى الِاسْتِعْطَافِ عَلَيْهِمْ، وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ السُّنَّةِ (اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي). الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وقد تقدم في" البقرة" [3].

[1] من ج وك وهـ.
[2] راجع ج 2 ص 354.
[3] راجع ج 3 ص 240.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 6  صفحه : 150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست