responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 5  صفحه : 91
وَقَوْلُهُ: (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ [1]). وَقَوْلُهُ: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ [2]) فَإِخْبَارُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ أَشْيَاءَ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ يَقْتَضِي وُجُوبَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ. وَالْعَقِيدَةُ أَنَّهُ لا يجب عليه شي عَقْلًا، فَأَمَّا السَّمْعُ فَظَاهِرُهُ قَبُولُ تَوْبَةِ التَّائِبِ. قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ: وَهَذِهِ الظَّوَاهِرُ إِنَّمَا تُعْطِي غَلَبَةَ ظَنٍّ، لَا قَطْعًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَبُولِ التَّوْبَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ خُولِفَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى. فَإِذَا فَرَضْنَا رَجُلًا قَدْ تَابَ تَوْبَةً نَصُوحًا تَامَّةَ الشُّرُوطِ فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ قَبُولُ تَوْبَتِهِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَقْطَعُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا أَخْبَرَ عَنْ نفسه عز وجل. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَكَانَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَمِيلُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَيُرَجِّحُهُ، وَبِهِ أَقُولُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ أَنْ يَنْخَرِمَ فِي هَذَا التَّائِبِ الْمَفْرُوضِ مَعْنَى قَوْلِهِ: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ). وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْلِهِ (عَلَى اللَّهِ) حَذْفًا وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى عَلَى فَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ. وَهَذَا نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: (أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ)؟ قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: (أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْجَنَّةَ). فَهَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ: عَلَى فَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ بِوَعْدِهِ الْحَقِّ وَقَوْلِهِ الصِّدْقِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [3]) أَيْ وَعَدَ بِهَا. وقيل: (عَلَى) ها هنا مَعْنَاهَا (عِنْدَ) وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، التَّقْدِيرُ: عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ إِنَّهُ وَعَدَ وَلَا خُلْفَ فِي وَعْدِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ إِذَا كَانَتْ بِشُرُوطِهَا الْمُصَحِّحَةِ لَهَا، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ: النَّدَمُ بِالْقَلْبِ، وَتَرْكُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَالِ، وَالْعَزْمُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ إِلَى مِثْلِهَا، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَإِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ لَمْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ. وَقَدْ قِيلَ مِنْ شُرُوطِهَا: الِاعْتِرَافُ بِالذَّنْبِ وَكَثْرَةُ الِاسْتِغْفَارِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (آلِ عِمْرَانَ) كَثِيرٌ مِنْ مَعَانِي التَّوْبَةِ وَأَحْكَامِهَا [4]. وَلَا خِلَافَ فِيمَا أَعْلَمُهُ أَنَّ التَّوْبَةَ لَا تُسْقِطُ حَدًّا [5]، وَلِهَذَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّ السَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ وَالْقَاذِفَ مَتَى تَابُوا وَقَامَتِ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِمْ أُقِيمَتْ عَلَيْهِمُ الْحُدُودُ. وَقِيلَ: (عَلَى) بِمَعْنَى (مِنْ) أَيْ إِنَّمَا التَّوْبَةُ مِنَ اللَّهِ لِلَّذِينَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدُوسٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي فِي (التَّحْرِيمِ [6]) الْكَلَامُ فِي التوبة النصوح والأشياء التي يتاب منها.

[1] راجع ج 8 ص 250.
[2] راجع ج 11 ص 231.
[3] راجع ج 6 ص 395.
[4] راجع ج 4 ص 130.
[5] راجع ج 6 ص 174 ففيها الخلاف في المسألة.
[6] راجع ج 18 ص 197 فما بعد.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 5  صفحه : 91
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست