responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 5  صفحه : 343
الثَّانِيةُ- وَقَدْ تَمَسَّكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ، لِأَنَّ أَهْلَ الدِّيوَانِ لَمَّا كَانُوا مُتَمَلِّكِينَ بِالْعَطَاءِ، وَيُصَرَّفُونَ فِي الشَّدَائِدِ، وَتُرَوِّعُهُمُ [1] الْبُعُوثُ وَالْأَوَامِرُ، كَانُوا أَعْظَمَ مِنَ الْمُتَطَوِّعِ، لِسُكُونِ جَأْشِهِ وَنِعْمَةِ بَالِهِ فِي الصَّوَائِفِ [2] الْكِبَارِ وَنَحْوِهَا. قَالَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ: أَصْحَابُ الْعَطَاءِ أَفْضَلُ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ لِمَا يُرَوَّعُونَ. قَالَ مَكْحُولٌ: رَوْعَاتُ الْبُعُوثِ تَنْفِي رَوْعَاتِ الْقِيَامَةِ. الثَّالِثَةُ- وَتَعَلَّقَ بِهَا أَيْضًا مَنْ قَالَ: إِنَّ الْغِنَى أَفْضَلُ مِنَ الْفَقْرِ، لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالَ الَّذِي يُوصَلُ بِهِ إِلَى صَالِحِ الْأَعْمَالِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ مَا أَحْوَجَ مِنَ الْفَقْرِ مَكْرُوهٌ، وَمَا أَبْطَرَ مِنَ الْغِنَى مَذْمُومٌ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَفْضِيلِ الْغَنِيِّ، لِأَنَّ الْغَنِيَّ مُقْتَدِرٌ وَالْفَقِيرَ عَاجِزٌ، وَالْقُدْرَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَجْزِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ النَّبَاهَةِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَفْضِيلِ الْفَقْرِ، لِأَنَّ الْفَقِيرَ تَارِكٌ وَالْغَنِيُّ مُلَابِسٌ، وَتَرْكُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنْ مُلَابَسَتِهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حُبُّ السَّلَامَةِ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَفْضِيلِ التَّوَسُّطِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْفَقْرِ إِلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ الْغِنَى لِيَصِلَ إِلَى فَضِيلَةِ الْأَمْرَيْنِ، وَلِيَسْلَمَ مِنْ مَذَمَّةِ الْحَالَيْنِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَذْهَبُ مَنْ يَرَى تَفْضِيلَ الِاعْتِدَالِ وَأَنَّ (خَيْرَ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا). وَلَقَدْ أَحْسَنَ الشَّاعِرُ الْحَكِيمُ حَيْثُ قَالَ:
أَلَا عَائِذًا بِاللَّهِ مِنْ عَدَمِ الْغِنَى ... وَمِنْ رَغْبَةٍ يَوْمًا إِلَى غَيْرِ مُرْغَبِ
الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) قِرَاءَةُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبُو عَمْرٍو (غَيْرُ) بِالرَّفْعِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ نَعْتٌ لِلْقَاعِدِينَ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِمْ قَوْمٌ بِأَعْيَانِهِمْ فَصَارُوا كَالنَّكِرَةِ فَجَازَ وَصْفُهُمْ بِغَيْرِ، وَالْمَعْنَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، أَيْ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ. وَالْمَعْنَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الْأَصِحَّاءُ، قَالَهُ الزَّجَّاجُ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ (غَيْرِ) جَعَلَهُ نَعْتًا لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ مِنَ المؤمنين الأصحاء.

[1] في نسخ الأصل اختلاف في هذه العبارة والذي أثبتناه هو ما في ابن عطية، وهو الواضح.
[2] الصائفة: الغزوة في الصيف.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 5  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست