responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 3  صفحه : 417
" الدَّيْنُ شَيْنُ الدِّينِ". وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:" الدَّيْنُ هَمٌّ بِاللَّيْلِ وَمَذَلَّةٌ بِالنَّهَارِ". قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَإِنَّمَا كَانَ شَيْنًا وَمَذَلَّةً لِمَا فِيهِ مِنْ شَغْلِ الْقَلْبِ وَالْبَالِ وَالْهَمِّ اللَّازِمِ فِي قَضَائِهِ، وَالتَّذَلُّلِ لِلْغَرِيمِ عِنْدَ لِقَائِهِ، وَتَحَمُّلِ مِنَّتِهِ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى حِينِ أَوَانِهِ. وَرُبَّمَا يَعِدُ مِنْ نَفْسِهِ الْقَضَاءَ فَيُخْلِفُ، أَوْ يُحَدِّثُ الْغَرِيمَ بِسَبَبِهِ فَيَكْذِبُ، أَوْ يَحْلِفُ لَهُ فَيَحْنَثُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ، وَهُوَ الدَّيْنُ. فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا أَكْثَرَ مَا تَتَعَوَّذُ مِنَ الْمَغْرَمِ؟ فَقَالَ:" إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ". وَأَيْضًا فَرُبَّمَا قَدْ مَاتَ وَلَمْ يَقْضِ الدَّيْنَ فَيُرْتَهَنُ بِهِ، كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" نَسْمَةُ الْمُؤْمِنِ مُرْتَهَنَةٌ فِي قَبْرِهِ بِدَيْنِهِ حتى يقضى عنه". وكل هذه الأسباب مشاين فِي الدِّينِ تُذْهِبُ جَمَالَهُ وَتُنْقِصُ كَمَالَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْكَتْبِ وَالْإِشْهَادِ وَأَخْذِ الرِّهَانِ كَانَ ذَلِكَ نَصًّا قَاطِعًا عَلَى مُرَاعَاةِ حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَتَنْمِيَتِهَا، وَرَدًّا عَلَى الْجَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَرِعَاعِهَا الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ، فَيَخْرُجُونَ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِهِمْ وَلَا يَتْرُكُونَ كِفَايَةً لِأَنْفُسِهِمْ وَعِيَالِهِمْ، ثُمَّ إِذَا احْتَاجَ وَافْتَقَرَ عِيَالُهُ فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمِنَنِ الْإِخْوَانِ أَوْ لِصَدَقَاتِهِمْ، أَوْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدُّنْيَا وَظَلَمَتِهِمْ، وَهَذَا الْفِعْلُ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ: وَلَسْتُ أَعْجَبَ مِنَ الْمُتَزَهِّدِينَ الَّذِينَ فَعَلُوا هَذَا مَعَ قِلَّةِ عِلْمِهِمْ، إِنَّمَا أَتَعَجَّبُ مِنْ أَقْوَامٍ لَهُمْ عِلْمٌ وَعَقْلٌ كَيْفَ حَثُّوا عَلَى هَذَا، وَأَمَرُوا بِهِ مَعَ مُضَادَّتِهِ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ. فَذَكَرَ الْمُحَاسِبِيُّ فِي هَذَا كَلَامًا كَثِيرًا، وَشَيَّدَهُ أَبُو حَامِدٍ الطُّوسِيُّ وَنَصَرَهُ. وَالْحَارِثُ [1] عِنْدِي أَعْذَرُ مِنْ أَبِي حَامِدٍ، لِأَنَّ أَبَا حَامِدٍ كَانَ أَفْقَهَ، غَيْرَ أَنَّ دُخُولَهُ فِي التَّصَوُّفِ أَوْجَبَ عَلَيْهِ نُصْرَةَ مَا دَخَلَ فِيهِ. قَالَ الْمُحَاسِبِيُّ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ لَهُ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا نَخَافُ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيمَا تَرَكَ. فَقَالَ كَعْبٌ [2]: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَمَا تَخَافُونَ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ كَسَبَ طَيِّبًا وَأَنْفَقَ طَيِّبًا وَتَرَكَ طَيِّبًا. فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا ذَرٍّ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يُرِيدُ كَعْبًا، فَمَرَّ بِلِحَى [3] بَعِيرٍ فَأَخَذَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَطْلُبُ كَعْبًا، فَقِيلَ لِكَعْبٍ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ يَطْلُبُكَ. فخرج هاربا حتى

[1] هو أبو عهد الله الحارث بن أسد الزاهد المحاسبي، وسمي المحاسبي لكثرة محاسبته لنفسه. (عن أنساب السمعاني).
[2] أراد كعب الأحبار بدليل قوله له: يا ابن اليهودية، وهذا غير صحيح على ما يأتي في ص 418 ومما تمسك به بعض الملاحدة الاباحيين.
[3] اللحى: عظم الحنك وهو الذي عليه الأسنان. [ ..... ]
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 3  صفحه : 417
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست