responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 3  صفحه : 234
منها، ولا يتأتى لهم ذلك، ويتأذون بحلو الْبِلَادِ مِنَ الْمَيَاسِيرِ الَّذِينَ كَانُوا أَرْكَانًا لِلْبِلَادِ وَمَعُونَةً لِلْمُسْتَضْعَفِينَ. وَإِذَا كَانَ الْوَبَاءُ بِأَرْضٍ فَلَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَخْذًا بِالْحَزْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ مَوَاضِعِ الضَّرَرِ، وَدَفْعًا لِلْأَوْهَامِ الْمُشَوِّشَةِ لِنَفْسِ الْإِنْسَانِ، وَفِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ صِيَانَةَ النَّفْسِ عَنِ الْمَكْرُوهِ وَاجِبَةٌ، وَقَدْ يُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءِ الِاعْتِقَادِ بِأَنْ يَقُولَ: لَوْلَا دُخُولِي فِي هَذَا الْمَكَانِ لَمَا نَزَلَ بِي مَكْرُوهٌ. فَهَذِهِ فَائِدَةُ النَّهْيِ عَنْ دُخُولِ أَرْضٍ بِهَا الطَّاعُونُ أَوِ الْخُرُوجِ مِنْهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الطَّاعُونُ فِتْنَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ وَالْفَارِّ، فَأَمَّا الْفَارُّ فَيَقُولُ: فَبِفِرَارِي نَجَوْتُ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَيَقُولُ: أَقَمْتُ فَمُتُّ، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ مَالِكٌ حِينَ سُئِلَ عَنْ كَرَاهَةِ النَّظَرِ إِلَى الْمَجْذُومِ فَقَالَ: مَا سَمِعْتُ فِيهِ بِكَرَاهَةٍ، وَمَا أَرَى مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا خِيفَةَ أَنْ يُفْزِعَهُ أَوْ يُخِيفَهُ شي يَقَعُ فِي نَفْسِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَبَاءِ:" إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فِي أَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه". وسيل أَيْضًا عَنِ الْبَلْدَةِ يَقَعُ فِيهَا الْمَوْتُ وَأَمْرَاضٌ، فَهَلْ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا؟ فَقَالَ: مَا أَرَى بَأْسًا خَرَجَ أَوْ أَقَامَ. الرَّابِعَةُ- فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" إِذَا وَقَعَ الْوَبَاءُ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْ بَلْدَةِ الطَّاعُونِ عَلَى غَيْرِ سَبِيلِ الْفِرَارِ مِنْهُ، إِذَا اعْتَقَدَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الدَّاخِلِ إِذَا أَيْقَنَ أَنَّ دُخُولَهَا [1] لَا يَجْلِبُ إِلَيْهِ قَدَرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ، فَبَاحَ لَهُ الدُّخُولُ إِلَيْهِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ عَلَى هَذَا الْحَدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ- فِي فَضْلِ الصَّبْرِ عَلَى الطَّاعُونِ وَبَيَانِهِ. الطَّاعُونُ وَزْنُهُ فَاعُولٌ مِنَ الطَّعْنِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا عُدِلَ بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وُضِعَ دَالًّا عَلَى الْمَوْتِ الْعَامِّ بِالْوَبَاءِ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ" قَالَتِ: الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ؟ قَالَ:" غُدَّةٌ كَغُدَّةِ [2] الْبَعِيرِ تَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ [3] وَالْآبَاطِ". قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَهَذَا الْوَبَاءُ قَدْ يُرْسِلُهُ اللَّهُ نِقْمَةً وَعُقُوبَةً عَلَى مَنْ يشاء

[1] في ج وح: أن دخوله.
[2] الغدة: طاعون الإبل، وقلما تسلم منه.
[3] المراق: ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها، واحدها مرق. وقال الجوهري: لا واحد لها. [ ..... ]
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 3  صفحه : 234
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست