responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 301
قُلْتُ: وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" فَخَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَهَذَا وَاضِحٌ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ اليوم ولا قضاء ما مضى. وتقدم الكلام فِي مَعْنِيِّ قَوْلِهِ:" وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ «[1]» " وَالْحَمْدُ للَّهِ. الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ" قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ" الْيُسْرَ" بِضَمِ السِّينِ لُغَتَانِ، وَكَذَلِكَ" الْعُسْرَ". قَالَ مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ:" الْيُسْرَ" الْفِطْرُ فِي السفر، و" الْعُسْرَ" الصوم فِي السَّفَرِ. وَالْوَجْهُ عُمُومُ اللَّفْظِ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الدِّينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" [2] [الحج: 78]، وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دِينُ اللَّهِ يُسْرٌ)، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا). وَالْيُسْرُ مِنَ السُّهُولَةِ، وَمِنْهُ الْيَسَارُ لِلْغِنَى. وَسُمِّيَتِ الْيَدُ الْيُسْرَى تَفَاؤُلًا، أَوْ لِأَنَّهُ يَسْهُلُ لَهُ الْأَمْرُ بِمُعَاوَنَتِهَا لِلْيُمْنَى، قَوْلَانِ. وَقَوْلُهُ:" وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ" هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ" فَكَرَّرَ تَأْكِيدًا. الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ- دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مُرِيدٌ بِإِرَادَةٍ قَدِيمَةٍ أَزَلِيَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى الذَّاتِ. هَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، كَمَا أَنَّهُ عَالِمٌ بِعِلْمٍ، قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ، حَيٌّ بِحَيَاةٍ، سَمِيعٌ بِسَمْعٍ، بَصِيرٌ بِبَصَرٍ، مُتَكَلِّمٌ بِكَلَامٍ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مَعَانٍ وُجُودِيَّةٌ أَزَلِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ. وَذَهَبَ الْفَلَاسِفَةُ وَالشِّيعَةُ إِلَى نَفْيِهَا، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِ الزَّائِغِينَ وَإِبْطَالِ الْمُبْطِلِينَ. وَالَّذِي يَقْطَعُ دَابِرَ أَهْلِ التَّعْطِيلِ أَنْ يُقَالَ: لَوْ لَمْ يُصَدَّقْ كَوْنُهُ ذَا إِرَادَةٍ لَصُدِّقَ أَنَّهُ لَيْسَ بِذِي إِرَادَةٍ، وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ لَكَانَ كُلُّ مَا لَيْسَ بِذِي إِرَادَةٍ نَاقِصًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَهُ إِرَادَةٌ، فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ الصِّفَاتُ الْإِرَادِيَّةُ فَلَهُ أَنْ يُخَصِّصَ الشَّيْءَ وَلَهُ ألا يخصصه، فالعقل السليم يقضي بأن ذنك كَمَالٌ لَهُ وَلَيْسَ بِنُقْصَانٍ، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ قَدَرَ بِالْوَهْمِ سُلِبَ ذَلِكَ الْأَمْرُ عَنْهُ لَقَدْ كان حاله أولا أكمل بالنسبة إلى حاله ثَانِيًا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَا لَمْ يَتَّصِفْ أَنْقَصَ مِمَّا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْمُحَالِ، فَإِنَّهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْمَخْلُوقُ أَكْمَلَ مِنَ الْخَالِقِ، وَالْخَالِقُ أَنْقَصَ مِنْهُ، وَالْبَدِيهَةُ تَقْضِي بِرَدِّهِ
وَإِبْطَالِهِ. وَقَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ جَلَّ جَلَالُهُ وَتَقَدَّسَتْ أسماؤه بأنه مريد فقال تعالى:

[1] تراجع المسألة الاولى وما بعدها ص 276 من هذا الجزء.
[2] راجع ج 12 ص 100.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 301
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست