responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 194
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أن وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ). فَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْضِي أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَهُوَ مُقْتَضَى الْفِقْهِ فِي الْأَيْمَانِ، وَبِهِ تَرْتَبِطُ الْأَحْكَامُ. فَمَنْ حَلَفَ أَلَّا يُكَلِّمَ فُلَانًا نَهَارًا فَكَلَّمَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ حَنِثَ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ. وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْفَيْصَلُ فِي ذَلِكَ وَالْحَكَمُ. وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ اللُّغَةِ وَأَخْذِهِ مِنَ السُّنَّةِ فَهُوَ مِنْ وَقْتِ الْإِسْفَارِ إِذَا اتَّسَعَ وَقْتُ النَّهَارِ، كَمَا قَالَ «[1]»:
مَلَكْتُ بِهَا كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا ... يَرَى قَائِمٌ مِنْ دُونِهَا مَا وَرَاءَهَا
وَقَدْ جَاءَ عَنْ حُذَيْفَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، خَرَّجَهُ النَّسَائِيُّ. وَسَيَأْتِي فِي آيِ الصِّيَامِ [2] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ" الْفُلْكُ: السُّفُنُ، وَإِفْرَادُهُ وَجَمْعُهُ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَلَيْسَتِ الْحَرَكَاتُ فِي الْمُفْرَدِ تِلْكَ بِأَعْيَانِهَا فِي الْجَمْعِ، بَلْ كَأَنَّهُ بَنَى الْجَمْعَ بِنَاءً آخَرَ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَوَسُّطُ التَّثْنِيَةِ فِي قَوْلِهِمْ: فُلْكَانِ. وَالْفُلْكُ الْمُفْرَدُ مُذَكَّرٌ، قَالَ تَعَالَى:" فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ «[3]» " فَجَاءَ بِهِ مُذَكَّرًا، وَقَالَ:" وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ" فَأَنَّثَ. وَيَحْتَمِلُ وَاحِدًا وَجَمْعًا، وَقَالَ:" حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «[4]» " فَجَمَعَ، فَكَأَنَّهُ يَذْهَبُ بِهَا إِذَا كَانَتْ وَاحِدَةً إِلَى الْمَرْكَبِ فَيُذَكَّرُ، وَإِلَى السَّفِينَةِ فَيُؤَنَّثُ. وَقِيلَ: وَاحِدُهُ فَلَكٌ، مِثْلُ أَسَدٍ وَأُسْدٍ، وَخَشَبٍ وَخُشْبٍ، وَأَصْلُهُ مِنَ الدَّوَرَانِ، وَمِنْهُ: فَلَكُ السَّمَاءِ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهِ النُّجُومُ. وَفَلَّكَتِ الْجَارِيَةُ اسْتَدَارَ ثَدْيُهَا، وَمِنْهُ فَلْكَةُ الْمِغْزَلِ. وَسُمِّيَتِ السَّفِينَةُ فُلْكًا لِأَنَّهَا تَدُورُ بِالْمَاءِ أَسْهَلَ دَوْرٍ. وَوَجْهُ الْآيَةِ فِي الْفُلْكِ: تَسْخِيرُ اللَّهِ إِيَّاهَا حَتَّى تَجْرِيَ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَوُقُوفُهَا فَوْقَهُ مَعَ ثِقَلِهَا. وَأَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا أَخْبَرَ تَعَالَى، وَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: اصْنَعْهَا عَلَى جُؤْجُؤِ [5] الطَّائِرِ، فَعَمِلَهَا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ وِرَاثَةً فِي الْعَالَمِينَ بِمَا أَرَاهُ جِبْرِيلُ. فَالسَّفِينَةُ طَائِرٌ مَقْلُوبٌ وَالْمَاءُ فِي أَسْفَلِهَا نَظِيرَ الْهَوَاءِ فِي أعلاها، قاله ابن العربي.

[1] هو قيس بن الخطيم، يصف طعنة.
[2] راجع ص 273 من هذا الجزء.
[3] راجع ج 15 ص 34.
[4] راجع ج 8 ص 324.
[5] الجؤجؤ: الصدر. وقيل: عظامه.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 194
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست