responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 13
وَهُوَ قَوْلُهُ:" لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ" وَعِبَادَةُ اللَّهِ إِثْبَاتُ تَوْحِيدِهِ، وَتَصْدِيقُ رُسُلِهِ، وَالْعَمَلُ بِمَا أَنْزَلَ فِي كُتُبِهِ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَا تَعْبُدُونَ" قَالَ سِيبَوَيْهِ:" لَا تَعْبُدُونَ" مُتَعَلِّقٌ بِقَسَمٍ، وَالْمَعْنَى وَإِذِ اسْتَخْلَفْنَاهُمْ وَاللَّهِ لَا تَعْبُدُونَ، وَأَجَازَهُ الْمُبَرِّدُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْفَرَّاءُ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ" لَا تَعْبُدُوا" عَلَى النَّهْيِ، وَلِهَذَا وَصَلَ الْكَلَامَ بِالْأَمْرِ فَقَالَ:" وقُومُوا، وقُولُوا، وأَقِيمُوا، وآتُوا". وَقِيلَ: هُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، أَيْ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ مُوَحِّدِينَ، أَوْ غَيْرَ مُعَانِدِينَ، قَالَهُ قُطْرُبٌ وَالْمُبَرِّدُ أَيْضًا. وَهَذَا إِنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ" يَعْبُدُونَ" بِالْيَاءِ مِنْ أَسْفَلَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ وَجَمَاعَةٌ: الْمَعْنَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ بِأَلَّا يَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَبِأَنْ يُحْسِنُوا لِلْوَالِدَيْنِ، وَبِأَلَّا يَسْفِكُوا الدِّمَاءَ، ثُمَّ حُذِفَتْ أَنْ وَالْبَاءُ فَارْتَفَعَ الْفِعْلُ لِزَوَالِهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي «[1]» ". قَالَ الْمُبَرِّدُ: هَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا أُضْمِرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَهُوَ يَعْمَلُ عَمَلَهُ مُظْهَرًا، تَقُولُ: وَبَلَدٍ قَطَعْتُ، أَيْ رُبَّ بَلَدٍ. قُلْتُ: لَيْسَ هَذَا بِخَطَأٍ، بَلْ هُمَا وَجْهَانِ صحيحان وعليهما أنشد سيبويه:
ألا أيها ذا الزاجري أخضر الْوَغَى ... وَأَنْ أَشْهَدَ اللَّذَّاتِ هَلْ أَنْتَ مُخْلِدِي «2»
بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ، فَالنَّصْبُ عَلَى إِضْمَارِ أَنْ، وَالرَّفْعُ عَلَى حَذْفِهَا. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً" أَيْ وَأَمَرْنَاهُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا. وَقَرَنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حَقَّ الْوَالِدَيْنِ بِالتَّوْحِيدِ، لِأَنَّ النَّشْأَةَ الْأُولَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالنَّشْءَ الثَّانِيَ- وَهُوَ التَّرْبِيَةُ- مِنْ جِهَةِ الْوَالِدَيْنِ، وَلِهَذَا قَرَنَ تَعَالَى الشُّكْرَ لَهُمَا بِشُكْرِهِ فَقَالَ:" أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ «[3]» ". وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ: مُعَاشَرَتُهُمَا بِالْمَعْرُوفِ، وَالتَّوَاضُعُ لَهُمَا، وَامْتِثَالُ أَمْرِهِمَا، وَالدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ بَعْدَ مَمَاتِهِمَا، وَصِلَةُ أَهْلِ وُدِّهِمَا، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ مُفَصَّلًا فِي" الْإِسْرَاءِ «[4]» " إِنْ شَاءَ الله تعالى.

[1] راجع ج 15 ص 276.
(2). البيت لطرفة بن العبد في معلقته.
[3] راجع ج 14 ص 65.
[4] راجع ج 10 ص 238
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 2  صفحه : 13
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست