responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 18  صفحه : 138
يَطْلُبُونَ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْقَ لِي مَا أُوفِي بِهِ فَتَقُولُ الْمَرْأَةُ يَا رَبِّ وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ اكْتَسَبَهُ حَرَامًا وَأَكَلْتُهُ حَلَالًا وَعَصَاكَ فِي مَرْضَاتِي وَلَمْ أَرْضَ لَهُ بِذَلِكَ فَبُعْدًا لَهُ وَسُحْقًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ صَدَقْتِ فَيُؤْمَرُ بِهِ إِلَى النَّارِ وَيُؤْمَرُ بِهَا إِلَى الْجَنَّةِ فَتَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ طَبَقَاتِ الْجَنَّةِ وَتَقُولُ لَهُ غَبَنَّاكَ غَبَنَّاكَ سَعِدْنَا بِمَا شَقِيتَ أَنْتَ بِهِ) فَذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ. الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اسْتَدَلَّ عُلَمَاؤُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْغَبْنُ فِي الْمُعَامَلَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَصَّصَ التَّغَابُنَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَهَذَا الِاخْتِصَاصُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا غَبْنَ فِي الدُّنْيَا، فَكُلُّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى غَبْنٍ فِي مَبِيعٍ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ إِذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَاخْتَارَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ [1] بِوُجُوهٍ: مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ:" إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لَا خِلَابَةَ [2] وَلَكَ الْخِيَارُ ثَلَاثًا". وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ طَوِيلٌ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ. نُكْتَتُهُ أَنَّ الْغَبْنَ فِي الدُّنْيَا مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعٍ فِي حُكْمِ الدِّينِ، إِذْ هُوَ مِنْ بَابِ الْخِدَاعِ الْمُحَرَّمِ شَرْعًا فِي كُلِّ مِلَّةٍ، لَكِنَّ الْيَسِيرَ مِنْهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَحَدٍ، فَمَضَى فِي الْبُيُوعِ [3]، إِذْ لَوْ حَكَمْنَا بِرَدِّهِ مَا نَفَذَ بَيْعٌ أَبَدًا، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ كَثِيرًا أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَوَجَبَ الرَّدُّ بِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ مَعْلُومٌ، فَقَدَّرَ عُلَمَاؤُنَا الثُّلُثَ لِهَذَا الْحَدِّ، إِذْ رَأَوْهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى هَذَا: ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ الْجَائِزِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ. أَوْ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ الَّذِي لَا يُسْتَدْرَكُ أَبَدًا، لِأَنَّ تَغَابُنَ الدُّنْيَا يُسْتَدْرَكُ بِوَجْهَيْنِ: إِمَّا بِرَدٍّ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَإِمَّا بِرِبْحٍ فِي بَيْعٍ آخَرَ وَسِلْعَةٍ أُخْرَى. فَأَمَّا مَنْ خَسِرَ الْجَنَّةَ فَلَا دَرْكَ لَهُ أَبَدًا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الصُّوفِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْغَبْنَ عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فَلَا يَلْقَى أَحَدٌ رَبَّهُ إِلَّا مَغْبُونًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِيفَاءُ لِلْعَمَلِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ اسْتِيفَاءُ الثَّوَابِ. وَفِي الْأَثَرِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْقَى اللَّهَ أَحَدٌ إِلَّا نَادِمًا إِنْ كَانَ مُسِيئًا إِنْ لَمْ يُحْسِنْ، وَإِنْ كَانَ محسنا إن لم يزدد).

[1] في ابن العربي:" عليها"
[2] الخلابة: الخديعة.
[3] في ابن العربي:" في الشرع".
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 18  صفحه : 138
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست