responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 16  صفحه : 221
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، لِخِفَّةٍ وَعَجَلَةٍ ظَهَرَتْ مِنْهُ حِينَ وَلَّى مُغَاضِبًا لِقَوْمِهِ، فَابْتَلَاهُ اللَّهُ بِثَلَاثٍ: سَلَّطَ عَلَيْهِ الْعَمَالِقَةَ حَتَّى أَغَارُوا عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ، وَسَلَّطَ الذِّئْبَ عَلَى وَلَدِهِ فَأَكَلَهُ، وَسَلَّطَ عَلَيْهِ الحوت فابتلعه، قاله أَبُو الْقَاسِمِ الْحَكِيمُ. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: أُولُو الْعَزْمِ اثْنَا عَشَرَ نَبِيًّا أُرْسِلُوا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالشَّامِ فَعَصَوْهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ أَنِّي مُرْسِلٌ عَذَابِي إِلَى عُصَاةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمُ اخْتَارُوا لِأَنْفُسِكُمْ، إِنْ شِئْتُمْ أَنْزَلْتُ بِكُمُ الْعَذَابَ وَأَنْجَيْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَإِنْ شِئْتُمْ نَجَّيْتُكُمْ وَأَنْزَلْتُ الْعَذَابَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يُنْزِلَ بِهِمُ الْعَذَابَ وَيُنَجِّيَ اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَنْجَى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَنْزَلَ بِأُولَئِكَ الْعَذَابَ. وَذَلِكَ أَنَّهُ سَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُلُوكَ الْأَرْضِ، فَمِنْهُمْ مَنْ نُشِرَ بِالْمَنَاشِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ سُلِخَ جِلْدَةُ رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ صُلِبَ عَلَى الْخَشَبِ حَتَّى مَاتَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حُرِّقَ بِالنَّارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أُولُو الْعَزْمِ أَرْبَعَةٌ: إِبْرَاهِيمُ، وَمُوسَى، وَدَاوُدُ، وَعِيسَى، فَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَقِيلَ لَهُ:" أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ" [1] [البقرة: 131] ثُمَّ ابْتُلِيَ فِي مَالِهِ وَوَلَدِهِ وَوَطَنِهِ وَنَفْسِهِ، فَوُجِدَ صَادِقًا وَافِيًا فِي جَمِيعِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ. وَأَمَّا مُوسَى فَعَزْمُهُ حِينَ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ:" إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ" [2] [الشعراء: 62 - 61]. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَخْطَأَ خَطِيئَتَهُ فَنُبِّهَ عَلَيْهَا، فَأَقَامَ يَبْكِي أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى نَبَتَتْ مِنْ دُمُوعِهِ شَجَرَةٌ، فَقَعَدَ تَحْتَ ظِلِّهَا. وَأَمَّا عِيسَى فَعَزْمُهُ أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ لَبِنَةً عَلَى لَبِنَةٍ وَقَالَ:" إِنَّهَا مَعْبَرَةٌ فَاعْبُرُوهَا وَلَا تُعَمِّرُوهَا". فَكَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اصْبِرْ، أَيْ كُنْ صَادِقًا فِيمَا ابْتُلِيَتَ بِهِ مِثْلُ صِدْقِ إِبْرَاهِيمَ، وَاثِقًا بِنُصْرَةِ مَوْلَاكَ مِثْلُ ثِقَةِ مُوسَى، مُهْتَمًّا بِمَا سَلَفَ مِنْ هَفَوَاتِكَ مِثْلُ اهْتِمَامِ دَاوُدَ، زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ زُهْدِ عِيسَى. ثُمَّ قِيلَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. وَقِيلَ: مُحْكَمَةٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ. وَذَكَرَ مُقَاتِلٌ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَا أَصَابَهُ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، تَسْهِيلًا عَلَيْهِ وَتَثْبِيتًا له. والله أعلم." وَلا تَسْتَعْجِلْ" قال مقاتل: بالدعاء

[1] آية 131 سورة البقرة.
[2] آية 61 سورة الشعراء.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 16  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست