responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 13  صفحه : 179
كَانَ يَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ وَأَحْوَالَ أُمَرَائِهِ بِنَفْسِهِ، فَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَبَيَّنَّا مَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مِنْ تَفَقُّدِ أَحْوَالِ رَعِيَّتِهِ، وَمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ، وَالسَّفَرِ إِلَى ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ. وَرَحِمَ اللَّهُ ابْنَ الْمُبَارَكِ حَيْثُ يَقُولُ:
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ ... وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا «1»
الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ) أَيْ مَا لِلْهُدْهُدِ لَا أَرَاهُ، فَهُوَ مِنَ الْقَلْبِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ. وَهُوَ كقولك: مالي أراك كئيبا. أي مالك. وَالْهُدْهُدُ طَيْرٌ مَعْرُوفٌ وَهَدْهَدَتُهُ صَوْتُهُ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: إِنَّمَا مَقْصِدُ الْكَلَامِ الْهُدْهُدُ غَابَ لَكِنَّهُ أَخَذَ اللَّازِمَ عَنْ مَغِيبِهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَرَاهُ، فَاسْتَفْهَمَ عَلَى جِهَةِ التَّوْقِيفِ عَلَى اللَّازِمِ وَهَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْإِيجَازِ. وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ:" مَا لِيَ" نَابَ مَنَابَ الْأَلِفِ الَّتِي تَحْتَاجُهَا أَمْ. وَقِيلَ: إِنَّمَا قَالَ:" مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ"، لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَالَ نَفْسِهِ، إِذْ عَلِمَ أَنَّهُ أُوتِيَ الْمُلْكَ الْعَظِيمَ، وَسُخِّرَ لَهُ الْخَلْقُ، فَقَدْ لَزِمَهُ حَقُّ الشُّكْرِ بِإِقَامَةِ الطَّاعَةِ وَإِدَامَةِ الْعَدْلِ، فَلَمَّا فَقَدَ نِعْمَةَ الْهُدْهُدِ تَوَقَّعَ أَنْ يَكُونَ قَصَّرَ فِي حَقِّ الشُّكْرِ، فَلِأَجْلِهِ سُلِبَهَا فَجَعَلَ يَتَفَقَّدُ نَفْسَهُ، فَقَالَ: مَا لِيَ". قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا يَفْعَلُهُ شُيُوخُ الصوفية إذا فقدوا مالهم [2]، تَفَقَّدُوا أَعْمَالَهُمْ، هَذَا فِي الْآدَابِ، فَكَيْفَ بِنَا الْيَوْمَ وَنَحْنُ نُقَصِّرُ فِي الْفَرَائِضِ!. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ مُحَيْصِنٍ وَعَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَهِشَامٌ وَأَيُّوبُ:" مالي" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَذَلِكَ فِي" يس"" وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي". وَأَسْكَنَهَا حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ الْمَدَنِيُّونَ وَأَبُو عَمْرٍو: بِفَتْحِ الَّتِي فِي" يس" وَإِسْكَانِ هَذِهِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لِأَنَّ هَذِهِ الَّتِي فِي" النَّمْلِ" اسْتِفْهَامٌ، وَالْأُخْرَى انْتِفَاءٌ. وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْإِسْكَانَ" فَقالَ مَا لِيَ". وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ: زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا كَانَ مُبْتَدَأً، وَبَيْنَ مَا كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هِيَ يَاءُ النَّفْسِ، مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَفْتَحُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَكِّنُهَا، فَقَرَءُوا بِاللُّغَتَيْنِ، وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ فِي يَاءِ النَّفْسِ أَنْ تَكُونَ مَفْتُوحَةً، لِأَنَّهَا اسْمٌ وَهِيَ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ الِاخْتِيَارُ ألا تسكن فيجحف بالاسم." أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ" بمعنى بل.

(1). في بعض النسخ:" ورهبانا". [ ..... ]
[2] في أحكام القرآن لابن العربي:" إذا فقدوا آمالهم .... إلخ".
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 13  صفحه : 179
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست