responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 13  صفحه : 15
عِنْدَ ضِيقِ الْحَالِ، فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ خَصَّهُمْ بِهَا، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَكَلَهَا مَعَهُمْ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا يَحْتَطِبُونَ وَيَسُوقُونَ الْمَاءَ إِلَى أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. كَذَا وَصَفَهُمِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ. ثُمَّ لَمَّا افْتَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْبِلَادَ وَمَهَّدَ لَهُمُ الْمِهَادَ تَأَمَّرُوا، وَبِالْأَسْبَابِ أُمِرُوا. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، لِأَنَّهُمْ أُيِّدُوا بِالْمَلَائِكَةِ وَثُبِّتُوا بِهِمْ، فَلَوْ كَانُوا أَقْوِيَاءَ مَا احْتَاجُوا إِلَى تَأْيِيدِ الْمَلَائِكَةِ وَتَأْيِيدُهُمْ إِذْ ذَلِكَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ قَوْلٍ وَإِطْلَاقٍ يؤول إِلَى هَذَا، بَلِ الْقَوْلُ بِالْأَسْبَابِ وَالْوَسَائِطِ سُنَّةُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ، وَالطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ الَّذِي انْعَقَدَ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَإِلَّا كَانَ يَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ"- الْآيَةَ- مَقْصُورًا عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَجَمِيعُ الْخِطَابَاتِ كَذَلِكَ. وَفِي التَّنْزِيلِ حَيْثُ خَاطَبَ مُوسَى الْكَلِيمَ" اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ" وَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى فَلْقِ الْبَحْرِ دُونَ ضَرْبِ عَصًا. وَكَذَلِكَ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ" وَقَدْ كَانَ قَادِرًا عَلَى سُقُوطِ الرُّطَبِ دُونَ هَزٍّ وَلَا تَعَبٍ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ فَلَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ يُلْطَفُ بِهِ وَيُعَانُ، أَوْ تُجَابُ دَعْوَتُهُ، أَوْ يُكْرَمُ بِكَرَامَةٍ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَوْ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَلَا تُهَدُّ لِذَلِكَ الْقَوَاعِدُ الْكُلِّيَّةُ والأمور الجميلة. هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! لَا يُقَالُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ" فَإِنَّا نَقُولُ: صَدَقَ اللَّهُ الْعَظِيمُ، وَصَدَقَ رَسُولُهُ الْكَرِيمُ، وَإِنَّ الرِّزْقَ هُنَا الْمَطَرُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ:" وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً" وَقَالَ:" وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ" وَلَمْ يُشَاهَدْ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى الْخَلْقِ أَطْبَاقُ الْخُبْزِ وَلَا جِفَانُ اللَّحْمِ، بَلِ الْأَسْبَابُ أَصْلٌ فِي وُجُودِ ذلك، وهو معنى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" اطْلُبُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ" أَيْ بِالْحَرْثِ وَالْحَفْرِ وَالْغَرْسِ. وَقَدْ يُسَمَّى الشيء بما يؤول إِلَيْهِ، وَسُمِّيَ الْمَطَرُ رِزْقًا لِأَنَّهُ عَنْهُ يَكُونُ الرِّزْقُ، وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خير له من يسأل أحد أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ" وَهَذَا فِيمَا خَرَجَ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ مِنَ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ. وَلَوْ قُدِّرَ رَجُلٌ بِالْجِبَالِ مُنْقَطِعًا عَنِ النَّاسِ لَمَا كَانَ لَهُ بُدٌّ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى مَا تُخْرِجُهُ الْآكَامُ وَظُهُورُ الْأَعْلَامِ حَتَّى يَتَنَاوَلَ مِنْ ذَلِكَ ما يعيش

نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 13  صفحه : 15
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست