responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 10  صفحه : 354
الاولى- قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) " ما" و" زِينَةً" مَفْعُولَانِ. وَالزِّينَةُ كُلُّ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَهُوَ عُمُومٌ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَى بَارِئِهِ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالزِّينَةِ الرِّجَالَ، قَالَ مُجَاهِدٌ. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الزِّينَةَ الْخُلَفَاءُ وَالْأُمَرَاءُ. وَرَوَى ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ في قول تَعَالَى:" إِنَّا جَعَلْنا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها" قَالَ: الْعُلَمَاءُ زِينَةُ الْأَرْضِ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: أَرَادَ النَّعَمَ وَالْمَلَابِسَ وَالثِّمَارَ وَالْخُضْرَةَ وَالْمِيَاهَ، وَنَحْوَ هَذَا مِمَّا فِيهِ زِينَةٌ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ الْجِبَالُ الصُّمُّ وَكُلُّ مَا لَا زِينَةَ فِيهِ كَالْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ. وَالْقَوْلُ بِالْعُمُومِ أَوْلَى، وَأَنَّ كُلَّ مَا عَلَى الْأَرْضِ فِيهِ زِينَةٌ مِنْ جِهَةِ خَلْقِهِ وَصُنْعِهِ وَإِحْكَامِهِ. وَالْآيَةُ بَسْطٌ فِي التَّسْلِيَةِ، أَيْ لَا تَهْتَمَّ يَا مُحَمَّدُ لِلدُّنْيَا وَأَهْلِهَا فَإِنَّا إِنَّمَا جَعَلْنَا ذَلِكَ امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا لِأَهْلِهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَدَبَّرُ وَيُؤْمِنُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْفُرُ، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَعْظُمَنَّ عَلَيْكَ كُفْرُهُمْ فَإِنَّا نُجَازِيهِمْ. الثَّانِيَةُ- مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ يُنْظَرُ إِلَى قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَاللَّهُ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ [1] كَيْفَ تَعْمَلُونَ". وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مَا يُخْرِجُ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا" قَالَ: وَمَا زَهْرَةُ الدُّنْيَا؟ قَالَ:" بَرَكَاتُ الأرض" خرجهما مسلم وغير مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الدُّنْيَا مُسْتَطَابَةٌ فِي ذَوْقِهَا مُعْجِبَةٌ فِي مَنْظَرِهَا كَالثَّمَرِ الْمُسْتَحْلَى الْمُعْجِبِ الْمَرْأَى، فَابْتَلَى اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ لِيَنْظُرَ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا. أَيْ مَنْ أَزْهَدُ فِيهَا وَأَتْرَكُ لَهَا، وَلَا سَبِيلَ لِلْعِبَادِ إلى بغضة مَا زَيَّنَهُ اللَّهُ إِلَّا [أَنْ] يُعِينَهُ عَلَى ذَلِكَ. وَلِهَذَا كَانَ عُمَرُ يَقُولُ فِيمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ: اللَّهُمَّ إِنَّا لَا نَسْتَطِيعُ إِلَّا أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِي حَقِّهِ. فَدَعَا اللَّهَ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى إِنْفَاقِهِ فِي حَقِّهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" فَمَنْ أَخَذَهُ بِطِيبِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ [2] نَفْسٍ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ". وَهَكَذَا هُوَ الْمُكْثِرُ مِنَ الدُّنْيَا لَا يَقْنَعُ بِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا بَلْ هِمَّتُهُ جَمْعُهَا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْفَهْمِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ، فَإِنَّ الْفِتْنَةَ مَعَهَا حَاصِلَةٌ وَعَدَمَ السَّلَامَةِ غَالِبَةٌ، وَقَدْ أَفْلَحَ من أسلم ورزق كفافا وأقنعه

[1] الحديث كما في كشف الخفا:" الدنيا خضرة ... فناظر كيف ... " رواه مسلم.
[2] أي يتطلع إليه وطمع فيه. [ ..... ]
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 10  صفحه : 354
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست