responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 10  صفحه : 166
الْعَدْلُ هُوَ كُلُّ مَفْرُوضٍ، مِنْ عَقَائِدَ وَشَرَائِعَ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ، وَتَرْكُ الظُّلْمِ وَالْإِنْصَافُ، وَإِعْطَاءُ الْحَقِّ. وَالْإِحْسَانُ هُوَ فِعْلُ كُلِّ مَنْدُوبٍ إِلَيْهِ، فَمِنَ الْأَشْيَاءِ مَا هُوَ كُلُّهُ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فَرْضٌ، إِلَّا أَنَّ حَدَّ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ دَاخِلٌ فِي الْعَدْلِ، وَالتَّكْمِيلِ الزَّائِدِ عَلَى الْإِجْزَاءِ دَاخِلٌ فِي الْإِحْسَانِ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ أَدَاءَ الْفَرَائِضِ هِيَ الْإِسْلَامُ حَسْبَمَا فَسَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ، وَذَلِكَ هُوَ الْعَدْلُ، وَإِنَّمَا الْإِحْسَانُ التَّكْمِيلَاتُ وَالْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ حَسْبَمَا يَقْتَضِيهِ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ بِقَوْلِهِ:" أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ". فَإِنْ صَحَّ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَرَادَ الْفَرَائِضَ مُكَمَّلَةً. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْعَدْلُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ إِيثَارُ حَقِّهِ تَعَالَى عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ، وَتَقْدِيمُ رِضَاهُ عَلَى هَوَاهُ، وَالِاجْتِنَابُ لِلزَّوَاجِرِ وَالِامْتِثَالُ لِلْأَوَامِرِ. وَأَمَّا الْعَدْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَمَنْعُهَا مِمَّا فِيهِ هَلَاكُهَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى «[1]» " وَعُزُوبُ [2] الْأَطْمَاعِ عَنِ الْأَتْبَاعِ، وَلُزُومُ الْقَنَاعَةِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَعْنًى. وَأَمَّا الْعَدْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَلْقِ فَبَذْلُ النَّصِيحَةِ، وَتَرْكُ الْخِيَانَةِ فِيمَا قَلَّ وَكَثُرَ، وَالْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ لَهُمْ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَلَا يَكُونُ مِنْكَ إِسَاءَةٌ إِلَى أَحَدٍ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ لَا فِي سِرٍّ وَلَا فِي عَلَنٍ، وَالصَّبْرُ عَلَى مَا يُصِيبُكَ مِنْهُمْ مِنَ الْبَلْوَى، وَأَقَلُّ ذَلِكَ الْإِنْصَافُ وَتَرْكُ الْأَذَى. قُلْتُ: هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْعَدْلِ حَسَنٌ وَعَدْلٌ، وَأَمَّا الْإِحْسَانُ فَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْإِحْسَانُ مَصْدَرُ أَحْسَنَ يُحْسِنُ إِحْسَانًا. وَيُقَالُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ، كَقَوْلِكَ: أَحْسَنْتُ كَذَا، أي حسنته وكلمته، وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالْهَمْزَةِ مِنْ حَسَّنَ الشَّيْءَ. وَثَانِيهُمَا مُتَعَدٍّ بِحَرْفِ جَرٍّ، كَقَوْلِكَ: أَحْسَنْتُ إِلَى فُلَانٍ، أَيْ أَوْصَلْتُ إِلَيْهِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ. قُلْتُ: وَهُوَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُرَادٌ بِالْمَعْنَيَيْنِ مَعًا، فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ مِنْ خَلْقِهِ إِحْسَانَ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى أَنَّ الطَّائِرَ فِي سِجْنِكَ وَالسِّنَّوْرَ فِي دَارِكَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقَصِّرَ تَعَهُّدَهُ بِإِحْسَانِكَ، وَهُوَ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ إِحْسَانِهِمْ، وَمِنْهُ الْإِحْسَانُ وَالنِّعَمُ وَالْفَضْلُ وَالْمِنَنُ. وَهُوَ فِي حديث جبريل

[1] راجع ج 19 ص 205.
[2] في ى: عزوف.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 10  صفحه : 166
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست