responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 292
الثَّالِثَةُ- اِسْتَدَلَّ مَنْ فَضَّلَ آدَمَ وَبَنِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ:" اسْجُدُوا لِآدَمَ". قَالُوا: وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ. وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى" اسْجُدُوا لِآدَمَ" اسْجُدُوا لِي مُسْتَقْبِلِينَ وَجْهَ آدَمَ. وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ" [الاسراء: 78] أَيْ عِنْدَ دُلُوكِ الشَّمْسِ وَكَقَوْلِهِ:" وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ" [ص: 72] أَيْ فَقَعُوا لِي عِنْدَ إِتْمَامِ خَلْقِهِ وَمُوَاجَهَتِكُمْ إِيَّاهُ سَاجِدِينَ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَسْجُودَ لَهُ لَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ السَّاجِدِ بِدَلِيلِ الْقِبْلَةِ. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَفْضَلَ مِنْهُمْ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالسُّجُودِ لَهُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا اسْتَعْظَمُوا بِتَسْبِيحِهِمْ وَتَقْدِيسِهِمْ أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لِغَيْرِهِ لِيُرِيَهُمُ اسْتِغْنَاءَهُ عَنْهُمْ وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَيَّرُوا آدَمَ وَاسْتَصْغَرُوهُ وَلَمْ يَعْرِفُوا خَصَائِصَ الصُّنْعِ بِهِ فَأُمِرُوا بِالسُّجُودِ لَهُ تَكْرِيمًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُمْ بِالسُّجُودِ لَهُ مُعَاقَبَةً لَهُمْ عَلَى قَوْلِهِمْ:" أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها" لَمَّا قَالَ لَهُمْ:" إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" [البقرة: 30] وَكَانَ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُ إِنْ خَاطَبَهُمْ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ هَذَا، فَقَالَ لَهُمْ:" إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ" [ص: 71] وَجَاعِلُهُ خَلِيفَةً، فَإِذَا نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ. وَالْمَعْنَى: لِيَكُونَ ذَلِكَ عُقُوبَةً لَكُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى مَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ لِي الْآنَ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدِ اسْتَدَلَّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى فَضْلِ الْبَشَرِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَقْسَمَ بِحَيَاةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:" لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ «[1]» " [الحجر: 72]. وَأَمَّنَهُ مِنَ الْعَذَابِ بِقَوْلِهِ:" لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ «[2]» " [الفتح: [2]]. وَقَالَ لِلْمَلَائِكَةِ:" وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ «[3]» " [الأنبياء: 29]. قِيلَ لَهُ: إِنَّمَا لَمْ يُقْسِمْ بِحَيَاةِ الْمَلَائِكَةِ كَمَا لَمْ يُقْسِمْ بِحَيَاةِ نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ، فَلَمْ يَقُلْ: لَعَمْرِي. وَأَقْسَمَ بِالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرْفَعُ قَدْرًا مِنَ الْعَرْشِ وَالْجِنَانِ السبع. وأقسم بالتين والزيتون. وأما قول سُبْحَانَهُ:" وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ" [الأنبياء: 29] فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ" [الزمر: 65] فليس فيه إذا دلالة، والله أعلم.

[1] راجع ج 10 ص 39.
[2] راجع ج 16 ص 62.
[3] راجع ج 11 ص 282
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 292
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست