responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 255
" اسْتَوى " بِمَعْنَى أَقْبَلَ صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْإِقْبَالَ هُوَ الْقَصْدُ إِلَى خَلْقِ السَّمَاءِ، وَالْقَصْدُ هُوَ الْإِرَادَةُ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَفْظَةُ" ثُمَّ" تَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ لَا بِالْإِرَادَةِ. وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ عَنْ تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ، وَالْكَلْبِيُّ ضَعِيفٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَابْنُ كَيْسَانَ فِي قَوْلِهِ" ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ": قَصَدَ إِلَيْهَا، أَيْ بِخَلْقِهِ وَاخْتِرَاعِهِ، فَهَذَا قَوْلٌ. وَقِيلَ: عَلَى دُونِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْدِيدٍ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الرِّيَاحِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُقَالُ: اسْتَوَى بِمَعْنَى أَنَّهُ ارْتَفَعَ. قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَمُرَادُهُ مِنْ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- ارْتِفَاعُ أَمْرِهِ، وَهُوَ بُخَارُ الْمَاءِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ خَلْقُ السَّمَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمُسْتَوِيَ الدُّخَانُ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا يَأْبَاهُ وَصْفُ الْكَلَامِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى اسْتَوْلَى، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: «1»
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ ... مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مُهْرَاقِ
قَالَ ابْنُ عطية: وهذا إنما يجئ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى " [طه: [5]]. قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِ الْفَرَّاءِ عَلَيَّ وَإِلَيَّ بِمَعْنًى. وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَابِ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ" الْأَعْرَافِ «[2]» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْقَاعِدَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَنَحْوِهَا مَنْعُ الْحَرَكَةِ وَالنَّقْلَةِ. السَّادِسَةُ- يَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ خَلَقَ الْأَرْضَ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي" حم السَّجْدَةِ «[3]» ". وَقَالَ فِي النَّازِعَاتِ:" أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها «[4]» " [النازعات: 27] فَوَصَفَ خَلْقَهَا، ثُمَّ قَالَ:" وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها" [النازعات: 30]. فَكَأَنَّ السَّمَاءَ عَلَى هَذَا خُلِقَتْ قَبْلَ الْأَرْضِ، وَقَالَ تَعَالَى" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «[5]» " [الانعام: [1]] وَهَذَا قَوْلُ قَتَادَةَ: إِنَّ السَّمَاءَ خُلِقَتْ أَوَّلًا، حَكَاهُ عَنْهُ الطَّبَرِيُّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَيْبَسَ الْمَاءَ الَّذِي كَانَ عَرْشُهُ عَلَيْهِ فَجَعَلَهُ أَرْضًا وَثَارَ مِنْهُ دُخَانٌ فَارْتَفَعَ، فَجَعَلَهُ سَمَاءً فَصَارَ خَلْقُ الْأَرْضِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاءِ، ثُمَّ قَصَدَ أَمْرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فسواهن سبع سموات، ثُمَّ دَحَا [6] الْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَتْ إِذْ خلقها غير مدحوة.

[1] هو الأخطل كما في شرح القاموس.
[2] راجع ج 7 ص 219.
[3] راجع ج 15 ص 343. [ ..... ]
[4] راجع ج 19 ص 201.
[5] راجع ج 6 ص 384.
[6] دحا الشيء: بسطه.
نام کتاب : تفسير القرطبي نویسنده : القرطبي، شمس الدين    جلد : 1  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست