{وَلَا بكم إِن اتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيّ وَمَا أَنا إِلَّا نَذِير مُبين (9) قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله وكفرتم بِهِ وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله فَآمن وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِن الله لَا} أقتل كَمَا قتلت الْأَنْبِيَاء من قبل.
وَقَوله: {وَلَا بكم} هَذَا خطاب مَعَ الْكفَّار، وَمَعْنَاهُ: لَا أَدْرِي أتؤخرون فِي الْعَذَاب أَو يعجل لكم الْعَذَاب، وَفِي بعض التفاسير: أَن الله تَعَالَى لما أنزل هَذِه الْآيَة وجد النَّبِي والمؤمنون وجدا شَدِيدا أَي: اغتموا؛ فَأنْزل الله تَعَالَى قَوْله: {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا ليغفر لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} فَقيل لَهُ: يارسول الله، هَذَا لَك خَاصَّة أولنا وَلَك؟ فَقَالَ: هِيَ لي وَلكم إِلَّا مَا فضلت بِهِ من النُّبُوَّة " وَالْخَبَر غَرِيب.
وَقَوله: {إِن أتبع إِلَّا مَا يُوحى إِلَيّ وَمَا أَنا إِلَّا نَذِير مُبين} أَي: نَذِير بَين النذارة.
قَوْله تَعَالَى: {قل أَرَأَيْتُم إِن كَانَ من عِنْد الله وكفرتم بِهِ وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} قَالَ ابْن سِيرِين وَجَمَاعَة: هُوَ عبد الله بن سَلام، وَقد رُوِيَ هَذَا أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس وَمُجاهد وَعِكْرِمَة وَغَيرهم، وعَلى هَذَا القَوْل هَذِه الْآيَة مَدَنِيَّة من جملَة السُّورَة؛ لِأَن عبد الله بن سَلام أسلم بِالْمَدِينَةِ بالِاتِّفَاقِ. وَفِي بعض الْأَخْبَار: أَن جمَاعَة من الْيَهُود أَتَوا النَّبِي وَقد جعل رَسُول الله عبد الله بن سَلام وَرَاء ستر، فَقَالَ لَهُم: كَيفَ ابْن سَلام فِيكُم؟ فَقَالُوا: أعلمنَا وَابْن أعلمنَا، وخيرنا وَابْن خيرنا.
فَقَالَ النَّبِي: أَرَأَيْتُم لَو أسلم هَل تسلمون أَنْتُم؟ فَقَالُوا: معَاذ الله أَن يسلم، فَخرج عبد الله بن سَلام وَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَقَالُوا: هُوَ شَرنَا وَابْن شَرنَا، وأجهلنا وَابْن أجهلنا، وَجعلُوا يشتمونه، فَهُوَ قَوْله تَعَالَى " {وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله} ".