نام کتاب : تفسير الخازن لباب التأويل في معاني التنزيل نویسنده : الخازن جلد : 1 صفحه : 136
النفر الثاني، وهو اليوم الثالث من أيام التشريق فلا إثم عليه في تأخره. واعلم أنه إنما يجوز التعجيل لمن نفر بعد الزوال من اليوم الثاني من أيام التشريق وقبل غروب الشمس، من ليلة ذلك اليوم وإن غربت عليه الشمس، وهو بمنى لزمه المبيت بها لرمي اليوم الثالث، هذا مذهب الشافعي وأكثر الفقهاء وقال أبو حنيفة: يجوز له أن ينفر ما لم يطلع الفجر لأنه لم يدخل وقت الرمي، بعد ورخص لرعاة الإبل وأهل سقاية الحاج ترك المبيت بمنى ليالي منى. فإن قلت: قوله ومن تأخر فلا إثم عليه فيه إشكال وهو أن الذي أتى بأفعال الحج كاملة تامة فقد أتى بما يلزمه، فما معنى قوله فلا إثم عليه إنما يخاف من الإثم من قصر فيما يلزمه. قلت فيه أجوبة أحدها أنه تعالى لما أذن في التعجيل على سبيل الرخصة احتمل أن يخطر ببال قوم أن من لم يجر على موجب هذه الرخصة، فإنه يأثم فأزال الله تعالى هذه الشبهة وبين إنه لا إثم عليه في الأمرين فإن شاء عجل وإن شاء أخر. الجواب الثاني أن من الناس من كان يتعجل ومنهم من كان يتأخر، وكل فريق يصوب فعله على فعل الفريق الآخر فبين الله تعالى أن كل واحد من الفريقين مصيب في فعله وأنه لا إثم عليه. الجواب الثالث إنما قال: ومن تأخر فلا إثم عليه لمشاكلة اللفظة الأولى فهو كقوله: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ومعلوم أن جزاء السيئة ليس بسيئة. الجواب الرابع أن فيه دلالة على جواز الأمرين فكأنه تعالى قال: فتعجلوا أو تأخروا فلا إثم في التعجيل ولا في التأخير لِمَنِ اتَّقى أي ذلك التخيير ونفي الإثم للحاج المتقي وقيل لمن اتقى أن يصيب في حجه شيئا مما نهاه الله عنه من قتل صيد وغيره، مما هو محظور في الحج، وقيل: معناه أنه ذهب إثمه إن اتقى فيمن بقي من عمره، وذلك أن الحاج يرجع مغفورا له بشرط أن لا يرتكب ما نهي عنه فيما بقي من عمره وهو قوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ أي في المستقبل والتقوى عبارة عن فعل الواجبات وترك المحظورات وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ أي فيجازيكم بأعمالكم وفيه حث على التقوى. قوله عز وجل:
[سورة البقرة (2): آية 204]
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ (204)
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة، واسمه أبي وإنما سمي الأخنس لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة، عن قتال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وذلك أنه أشار على بني زهرة الرجوع يوم بدر، وقال لهم: إن محمدا ابن أختكم فإن يك كاذبا كفاكموه الناس وإن يك صادقا كنتم أسعد الناس به قالوا: نعم ما رأيت قال إني سأخنس بكم فاتبعوني فخنس فسمي الأخنس بذلك وكان الأخنس حلو الكلام حلو المنظر، وكان يأتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويجالسه ويظهر الإسلام ويقول: إني لأحبك ويحلف بالله على ذلك وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يدني مجلسه وكان الأخنس منافقا فنزل فيه، ومن الناس من يعجبك قوله، أي يروقك وتستحسنه ويعظم في قلبك في الحياة الدنيا، يعني أن حلاوة كلامه فيما يتعلق بأمر الدنيا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ يعني قوله: والله إني بك مؤمن ولك محبّ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ أي شديد الجدال في الباطل، وقيل: هو كاذب القول، وقيل: هو شديد القسوة في المعصية جدل بالباطل يتكلم بالحكمة ويعمل بالخطيئة (ق) عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم» يعني الشديد في الخصومة.