responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 164
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ أَيْ جُهْدَكُمْ وَطَاقَتَكُمْ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: «إذا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ» [1] وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ إن هذه الآية نَاسِخَةٌ لِلَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آلِ عِمْرَانَ: 102] قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنِي ابن لهيعة، حدثني عطاء هُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ:
اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتِ هذه الْآيَةُ اشْتَدَّ عَلَى الْقَوْمِ الْعَمَلُ فَقَامُوا حَتَّى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تعالى هذه الآية تَخْفِيفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَنَسَخَتِ الْآيَةَ الْأُولَى وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَقَتَادَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ تعالى: وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا أَيْ كُونُوا مُنْقَادِينَ لِمَا يَأْمُرُكُمُ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ وَلَا تَحِيدُوا عَنْهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً، وَلَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَمَّا بِهِ أُمِرْتُمْ. وَلَا تَرْكَبُوا مَا عَنْهُ زُجِرْتُمْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ أَيْ وَابْذُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ على الأرقاب وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَذَوِي الْحَاجَاتِ، وَأَحْسِنُوا إِلَى خَلْقِ الله كما أحسن الله إِلَيْكُمْ يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ لَا تَفْعَلُوا يَكُنْ شَرًّا لَكُمْ فِي الدنيا والآخرة.
وقوله تَعَالَى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ وَذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ والمنة، وقوله تعالى: إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ أَيْ مَهْمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ. وَمَهْمَا تَصَدَّقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ، وَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْقَرْضِ لَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ ظلوم ولا عديم [2] ، ولهذا قال تعالى يُضَاعِفْهُ لَكُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً [الْبَقَرَةِ: 245] وَيَغْفِرْ لَكُمْ أي ويكفر عنكم السيئات ولهذا قال تعالى: وَاللَّهُ شَكُورٌ أَيْ يَجْزِي عَلَى الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ حَلِيمٌ أي يصفح وَيَغْفِرُ وَيَسْتُرُ وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الذُّنُوبِ وَالزَّلَّاتِ وَالْخَطَايَا وَالسَّيِّئَاتِ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ تَقَدَّمَ تفسيره غير مرة، آخر تفسير سورة التغابن، ولله الحمد والمنة.

[1] أخرجه البخاري في الاعتصام باب 2، ومسلم في الحج حديث 412، والنسائي في المناسك باب 1، وابن ماجة في المقدمة باب 1، وأحمد في المسند 2/ 247، 258، 314، 315، 355.
[2] أخرجه مسلم في المسافرين حديث 170، 171.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 164
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست