responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 106
يَقُولُ تَعَالَى: وَلَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّا خَصَصْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ بِالْبِعْثَةِ إِلَى جَمِيعِ أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغهم الْقُرْآنَ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ [الْأَنْعَامِ: 19] وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ [هُودٍ: 17] لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الْأَنْعَامِ: 93] قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الْأَعْرَافِ:
158] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «بُعِثْتُ إِلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ» [1] ، وَفِيهِمَا «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إلى الناس عامة» ولهذا قال تعالى: فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ يعني القرآن، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، جِهاداً كَبِيراً كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ [التوبة: 73] الآية.
وقوله تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أَيْ خَلَقَ الْمَاءَيْنِ: الْحُلْوَ وَالْمِلْحَ، فَالْحُلْوُ كَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ، وَهَذَا هُوَ البحر الحلو العذب الفرات الزُّلَالُ، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وهذا المعنى لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ بَحْرٌ سَاكِنٌ وَهُوَ عَذْبٌ فُرَاتٌ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى إِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ لِيُنَبِّهَ الْعِبَادَ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ لِيَشْكُرُوهُ، فَالْبَحْرُ الْعَذْبُ هُوَ هَذَا السَّارِحُ بين الناس، فرقه الله تَعَالَى بَيْنَ خِلْقِهِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ أَنْهَارًا وَعُيُونًا فِي كُلِّ أَرْضٍ، بِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ وَكِفَايَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وأرضيهم.
وقوله تعالى: وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ أَيْ مَالِحٌ مُرٌّ زُعَاقٌ لَا يُسْتَسَاغُ، وَذَلِكَ كَالْبِحَارِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ: الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الزُّقَاقِ، وَبَحْرِ الْقُلْزُمِ، وَبَحْرِ الْيَمَنِ، وَبَحْرِ الْبَصْرَةِ، وَبَحْرِ فَارِسَ، وَبَحْرِ الصِّينِ وَالْهِنْدِ، وَبَحْرِ الرُّومِ، وبحر الخزر، وما شاكلها وما شابهها مِنَ الْبِحَارِ السَّاكِنَةِ الَّتِي لَا تَجْرِي، وَلَكِنْ تموج وتضطرب وتلتطم فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ الرِّيَاحِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَدٌّ وَجَزْرٌ، فَفِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ يَحْصُلُ مِنْهَا مَدٌّ وَفَيْضٌ، فَإِذَا شَرَعَ الشَّهْرُ فِي النُّقْصَانِ جَزَرَتْ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى غَايَتِهَا الْأُولَى، فَإِذَا اسْتَهَلَّ الْهِلَالُ مِنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ شَرَعَتْ فِي الْمَدِّ إِلَى اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ عَشْرَةَ، ثُمَّ تَشْرَعُ فِي النَّقْصِ، فَأَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى- وهو ذو الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ- الْعَادَةَ بِذَلِكَ، فَكُلُّ هَذِهِ الْبِحَارِ الساكنة، خلقها الله سبحانه وتعالى مالحة لِئَلَّا يَحْصُلَ بِسَبَبِهَا نَتَنُ الْهَوَاءِ، فَيَفْسَدُ الْوُجُودُ بِذَلِكَ، وَلِئَلَّا تَجْوَى الْأَرْضُ بِمَا يَمُوتُ فِيهَا من الحيوان، ولما كان ماؤها مالحا، كَانَ هَوَاؤُهَا صَحِيحًا وَمَيْتَتُهَا طَيِّبَةً، وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: أَنَتَوَضَّأُ بِهِ؟ فَقَالَ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» [2] رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وقوله تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً أَيْ بَيْنَ الْعَذْبِ والمالح بَرْزَخاً أي حاجزا

[1] تقدم الحديثان مع تخريجهما عند الآية الأولى من هذه السورة.
[2] تقدم الحديث مع تخريجه عند تفسير الآية الثالثة من سورة المائدة. الجزء الثالث.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 106
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست