responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 5  صفحه : 49
[سورة الإسراء (17) : آية 15]
مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)
يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ مَنِ اهْتَدى وَاتَّبَعَ الْحَقَّ، واقتفى أثر النُّبُوَّةِ، فَإِنَّمَا يُحَصِّلُ عَاقِبَةَ ذَلِكَ الْحَمِيدَةَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ أَيْ عَنِ الْحَقِّ، وَزَاغَ عَنْ سَبِيلِ الرَّشَادِ، فَإِنَّمَا يَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أَيْ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ، وَلَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ [فاطر: 18] ولا منافاة بين هذا وبين وقوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [الْعَنْكَبُوتِ: 13] ، وَقَوْلُهُ: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ [النَّحْلِ: 25] فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم فِي أَنْفُسِهِمْ، وَإِثْمٌ آخَرُ بِسَبَبِ مَا أَضَلُّوا مَنْ أَضَلُّوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَوْزَارِ أُولَئِكَ، ولا يحمل عَنْهُمْ شَيْئًا، وَهَذَا مِنْ عَدْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ.
وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا إِخْبَارٌ عَنْ عَدْلِهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عليه بإرسال الرسول إليه، كقوله تَعَالَى: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ [الْمُلْكِ: 8- 9] وكذا قوله: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ [الزُّمَرِ: 71] وَقَالَ تَعَالَى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ [فَاطِرٍ: 37] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تعالى لا يدخل أحد النَّارَ إِلَّا بَعْدَ إِرْسَالِ الرَّسُولِ إِلَيْهِ.
وَمِنْ ثَمَّ طَعَنَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي اللَّفْظَةِ التي جاءت معجمة فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56] حدثنا عبد اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ الْأَعْرَجِ بِإِسْنَادِهِ إلى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اخْتَصَمَتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ «وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَلَا يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا، وَأَنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ خَلْقًا فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مزيد؟ ثلاثا» [1] وذكر تمام الحديث.
فهذا إِنَّمَا جَاءَ فِي الْجَنَّةِ، لِأَنَّهَا دَارُ فَضْلٍ، وَأَمَّا النَّارُ فَإِنَّهَا دَارُ عَدْلٍ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ إِلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِ وَقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي هذه اللفظة، وقالوا: لعله

[1] أخرجه البخاري في التوحيد باب 25.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 5  صفحه : 49
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست