responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 353
وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي السَّرِيرَ، أَيْ أَجْلَسَهُمَا مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ، وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً أَيْ سَجَدَ لَهُ أَبَوَاهُ وَإِخْوَتُهُ الْبَاقُونَ. وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا، وَقالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ أَيِ الَّتِي كَانَ قَصَّهَا عَلَى أبيه من قبل، إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً [يوسف: 4] الآية، وَقَدْ كَانَ هَذَا سَائِغًا فِي شَرَائِعِهِمْ إِذَا سَلَّمُوا عَلَى الْكَبِيرِ يَسْجُدُونَ لَهُ، وَلَمْ يَزَلْ هَذَا جَائِزًا مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى شَرِيعَةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَحُرِّمَ هَذَا فِي هَذِهِ الْمِلَّةِ، وَجُعِلَ السُّجُودُ مُخْتَصًّا بِجَنَابِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هَذَا مَضْمُونُ قَوْلِ قَتَادَةَ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مُعَاذًا قَدِمَ الشَّامَ فَوَجَدَهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ، فَلَمَّا رَجَعَ سَجَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «مَا هَذَا يَا مُعَاذُ؟» فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ، وَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حَقِّهِ عَلَيْهَا» [1] . وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: أَنَّ سَلْمَانَ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ سَلْمَانُ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، فَسَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «لَا تَسْجُدْ لِي يَا سَلْمَانُ، وَاسْجُدْ لِلْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ» ، وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذَا كَانَ جَائِزًا فِي شَرِيعَتِهِمْ، وَلِهَذَا خَرُّوا لَهُ سُجَّدًا، فَعِنْدَهَا قَالَ يُوسُفُ: يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا أَيْ هَذَا مَا آلَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ، فَإِنَّ التَّأْوِيلَ يُطْلَقُ عَلَى مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ [الأعراف: 53] أي يوم القيامة يأتينهم ما وعدوا به مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.
وَقَوْلُهُ: قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا أَيْ صَحِيحَةً صِدْقًا يَذْكُرُ نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ أَيِ الْبَادِيَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: كَانُوا أَهْلَ بَادِيَةٍ وَمَاشِيَةٍ، وَقَالَ: كَانُوا يَسْكُنُونَ بِالْعَرَبَاتِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ مِنْ غَوْرِ الشَّامِ، قَالَ: وَبَعْضٌ يَقُولُ: كَانُوا بِالْأَوْلَاجِ مِنْ نَاحِيَةِ شِعْبٍ أَسْفَلَ مِنْ حُسْمَى، وَكَانُوا أَصْحَابَ بَادِيَةٍ وَشَاءٍ وَإِبِلٍ [2] .
مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ أَيْ إِذَا أراد أمرا قيض له أسبابا وقدره ويسره إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، الْحَكِيمُ فِي أقواله وأفعاله وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَمَا يَخْتَارُهُ وَيُرِيدُهُ. قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ: كَانَ بَيْنَ رُؤْيَا يُوسُفَ وَتَأْوِيلِهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ: وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي أَقْصَى الرُّؤْيَا، رَوَاهُ ابن جرير [3] ، وقال أيضا:
حدثنا عمر بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ مُنْذُ فَارَقَ يُوسُفُ يَعْقُوبَ إِلَى أَنِ الْتَقَيَا ثَمَانُونَ سَنَةً، لم يفارق الْحُزْنُ قَلْبَهُ، وَدُمُوعُهُ تَجْرِي عَلَى خَدَّيْهِ، وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ عَبَدٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ من يعقوب.

[1] أخرجه ابن ماجة في النكاح باب 4، وأحمد في المسند 4/ 381.
[2] انظر تفسير الطبري 7/ 307.
[3] تفسير الطبري 7/ 308.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 4  صفحه : 353
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست