responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 2  صفحه : 212
لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ هُوَ كَالْعَضْلِ فِي سُورَةِ البقرة.
وقوله تعالى: وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ طَيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وَحَسِّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [الْبَقَرَةِ: 228] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي» وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ جَمِيلُ الْعِشْرَةِ دَائِمُ الْبِشْرِ، يُدَاعِبُ أَهْلَهُ، وَيَتَلَطَّفُ بِهِمْ ويُوسِعُهُمْ نَفَقَتَهُ، وَيُضَاحِكُ نِسَاءَهُ حَتَّى إِنَّهُ كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ، قَالَتْ: سَابَقَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ «هَذِهِ بِتِلْكَ» وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا، وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْهِ الرِّدَاءَ وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ مَنْزِلَهُ يَسْمُرُ مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤَانِسُهُمْ بِذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الْأَحْزَابِ: 21] وَأَحْكَامُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا يتعلق بتفصيل ذلك موضعه كتب الْأَحْكَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً أَيْ فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ مَعَ إِمْسَاكِكُمْ لَهُنَّ وَكَرَاهَتِهِنَّ فِيهِ، خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا فَيُرْزَقَ مِنْهَا وَلَدًا، وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَا يَفْرَكُ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ سَخِطَ مِنْهَا خُلُقًا رضي منها آخر» .
وقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً أَيْ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَةً وَيَسْتَبْدِلَ مَكَانَهَا غَيْرَهَا فَلَا يأخذ مِمَّا كَانَ أَصْدَقَ الْأُولَى شَيْئًا وَلَوْ كَانَ قنطارا من المال، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الْكَلَامَ عَلَى الْقِنْطَارِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْإِصْدَاقِ بِالْمَالِ الْجَزِيلِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ كَثْرَةِ الْإِصْدَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ [1] : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: نُبِّئْتُ عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَلَا لَا تُغْلُوا فِي صَدَاقِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوًى عند الله، كان أولادكم بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أُصْدِقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً، وَإِنْ كان

[1] مسند أحمد 1/ 40- 41.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية نویسنده : ابن كثير    جلد : 2  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست