responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 277
الْقِيَامَةِ؟ وَإِنَّمَا سُؤَالُهُ سُؤَالُ اسْتِبْعَادٍ لِوُقُوعِهِ، وَتَكْذِيبٌ لِوُجُودِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ: 29، 30] .
وقال تعالى ها هنا: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ} قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: {بَرِقَ} بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ: حَارَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} [إِبْرَاهِيمَ: 43] ، بَلْ يَنْظُرُونَ مِنَ الْفَزَعِ هَكَذَا وَهَكَذَا، لَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بَصَرٌ عَلَى شَيْءٍ؛ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ.
وَقَرَأَ آخَرُونَ: "بَرَقَ" بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَنْبَهِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَخْشَعُ وَتَحَارُ وَتَذِلُّ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ، وَمَنْ عِظَمِ مَا تُشَاهِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأُمُورِ.
وَقَوْلُهُ: {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} أَيْ: ذَهَبَ ضَوْءُهُ.
{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} قَالَ مُجَاهِدٌ: كُوّرا. وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التَّكْوِيرِ: [1]، 2] ورُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "وجُمع بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ".
وَقَوْلُهُ: {يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} أَيْ: إِذَا عَايَنَ ابنُ آدَمَ هَذِهِ الْأَهْوَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَئِذٍ يُرِيدُ أَنْ يَفِرَّ وَيَقُولُ: أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ أَيْ: هَلْ مِنْ مَلْجَأٍ أَوْ مَوْئِلٍ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَلا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ لَا نَجَاةَ.
وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: {مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشُّورَى: 47] أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَتَنَكَّرُونَ فِيهِ، وَكَذَا قَالَ هَاهُنَا {لَا وَزَرَ} أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَعْتَصِمُونَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} أَيِ: الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} أَيْ: يُخْبَرُ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 49] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} أَيْ: هُوَ شَهِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، عَالِمٌ بِمَا فَعَلَهُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَأَنْكَرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الْإِسْرَاءِ: 14] .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} يَقُولُ: سمعُه وبصرُه وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وجوارحُه.
وَقَالَ قَتَادَةُ: شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِذَا شِئْتَ -وَاللَّهِ-رَأَيْتَهُ بَصِيرًا بِعُيُوبِ النَّاسِ وَذُنُوبِهِمْ غَافِلًا عَنْ ذُنُوبِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ فِي الْإِنْجِيلِ مَكْتُوبًا: يَا ابْنَ آدَمَ، تُبصر القَذَاة فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَتَتْرُكُ الجِذْل [1] فِي عينك لا تبصره.

[1] في م: "وتترك الجذع".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 277
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست