responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 153
وَقَوْلُهُ: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: يَعْنِي يُضَاجِرُهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَالِهَا أَوْ تَخْرُجَ مِنْ مَسْكَنِهِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} قَالَ: يُطَلِّقُهَا، فَإِذَا بَقِيَ يَوْمَانِ رَاجَعَهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْخَلَفِ: هَذِهِ فِي الْبَائِنِ، إِنْ كَانَتْ حَامِلًا أَنْفَقَ عَلَيْهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا، قَالُوا: بِدَلِيلِ أَنَّ الرَّجْعِيَّةَ تَجِبُ نَفَقَتُهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ حَائِلًا.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ السِّيَاقُ كُلُّهُ فِي الرَّجْعِيَّاتِ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَى الْحَامِلِ وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ تَطُولُ مُدَّتُهُ غَالِبًا، فَاحْتِيجَ إِلَى النَّصِّ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ إِلَى الْوَضْعِ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ إِنَّمَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِمِقْدَارِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلِ النَّفَقَةُ لَهَا بِوَاسِطَةِ الْحَمْلِ، أَمْ لِلْحَمْلِ وَحْدَهُ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ مَنْصُوصَيْنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا مَسَائِلُ مَذْكُورَةٌ فِي عِلْمِ الْفُرُوعِ.
وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} أَيْ: إِذَا وَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَهُنَّ طَوَالِقُ، فَقَدْ بنَّ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهِنَّ، وَلَهَا حِينَئِذٍ أَنْ تُرْضِعَ الْوَلَدَ، وَلَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ، وَلَكِنْ بَعْدَ أَنْ تُغَذِّيَهُ باللبَّأ -وَهُوَ بَاكُورَةُ اللَّبَنِ الَّذِي لَا قِوَامَ لِلْوَلَدِ غَالِبًا إِلَّا بِهِ-فَإِنْ أَرْضَعَتِ اسْتَحَقَّتْ أَجْرَ مِثْلِهَا، وَلَهَا أَنْ تُعَاقِدَ أَبَاهُ أَوْ وَلِيَّهُ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَقَوْلُهُ: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ} أَيْ: وَلْتَكُنْ أُمُورُكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالْمَعْرُوفِ، مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ وَلَا مُضَارَّةٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ "الْبَقَرَةِ": {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [الْبَقَرَةِ: 233]
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} أَيْ: وَإِنِ اخْتَلَفَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، فَطَلَبَتِ الْمَرْأَةُ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ كَثِيرًا وَلَمْ يُجِبْهَا الرَّجُلُ إِلَى ذَلِكَ، أَوْ بَذَلَ الرَّجُلُ قَلِيلًا وَلَمْ تُوَافِقْهُ عَلَيْهِ، فَلْيَسْتَرْضِعْ لَهُ غَيْرَهَا. فَلَوْ رَضِيَتِ الْأُمُّ بِمَا اسْتُؤْجِرَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ فَهِيَ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا.
وَقَوْلُهُ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} أَيْ: لِيُنْفِقْ عَلَى الْمَوْلُودِ وَالِدُهُ، أَوْ وَلِيُّهُ، بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ، {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} كَقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [الْبَقَرَةِ: 286] .
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَكَّام، عن أَبِي سِنَانٍ قَالَ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ يَلْبَسُ الْغَلِيظَ مِنَ الثِّيَابِ، وَيَأْكُلُ أَخْشَنَ الطَّعَامِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ لِلرَّسُولِ: انْظُرْ مَا يَصْنَعُ بِهَا إِذَا هُوَ أَخَذَهَا: فَمَا لَبِثَ أَنْ لَبِسَ اللَّيِّنَ مِنَ الثِّيَابِ، وَأَكَلَ أَطْيَبَ الطَّعَامِ، فَجَاءَهُ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ، تَأَوَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} (1)

(1) تفسير الطبري (28/96) .
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 8  صفحه : 153
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست