responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 71
وَالْقِيعَةُ: جَمْعُ قَاعٍ، كَجَارٍ وجيرَةٍ. وَالْقَاعُ أَيْضًا: وَاحِدُ الْقِيعَانِ، كَمَا يُقَالُ: جَارٌ وَجِيرَانٌ. وَهِيَ: الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْمُتَّسِعَةُ الْمُنْبَسِطَةُ، وَفِيهِ يَكُونُ السَّرَابُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ. وَأَمَّا الْآلُ [1] فَإِنَّمَا يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ، يُرَى كَأَنَّهُ مَاءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا رَأَى السَّرَابَ مَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْمَاءِ، حَسِبَهُ مَاءً فَقَصَدَهُ لِيَشْرَبَ مِنْهُ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَيْهِ {لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} ، فَكَذَلِكَ الْكَافِرُ يَحْسَبُ أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ عَمَلًا وَأَنَّهُ قَدْ حَصَّل شَيْئًا، فَإِذَا وَافَى اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَاسَبَهُ عَلَيْهَا، وَنُوقِشَ عَلَى أَفْعَالِهِ، لَمْ يَجِدْ لَهُ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ قَدْ قُبل، إِمَّا لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ، وَإِمَّا لِعَدَمِ سُلُوكِ الشَّرْعِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الْفَرْقَانِ: 23] .
وَقَالَ هَاهُنَا: {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} . وَهَكَذَا رُوي عَنْ أُبي بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ [2] : أَنَّهُ يُقَالُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْيَهُودِ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ فَيَقُولُونَ: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْر ابْنَ اللَّهِ. فَيُقَالُ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ، مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: أَيْ رَبَّنَا، عَطشنا فَاسْقِنَا. فَيُقَالُ: أَلَا تَرَوْنَ؟ فَتُمَثَّلُ لَهُمُ النَّارُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يُحَطِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَنْطَلِقُونَ فَيَتَهَافَتُونَ فِيهَا [3] .
وَهَذَا الْمِثَالُ مِثَالٌ لِذَوِي الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ. فَأَمَّا أَصْحَابُ الْجَهْلِ الْبَسِيطِ، وَهُمُ الطَّماطم الْأَغْشَامُ الْمُقَلِّدُونَ لِأَئِمَّةِ الْكُفْرِ، الصُّمِّ الْبُكْمِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، فَمَثَلُهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} : قَالَ قَتَادَةُ: وَهُوَ الْعَمِيقُ. {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} أَيْ: لَمْ يُقَارِبْ رُؤْيَتَهَا مِنْ شِدَّةِ الظَّلَامِ، فَهَذَا مِثْلُ قَلْبِ الْكَافِرِ الْجَاهِلِ الْبَسِيطِ الْمُقَلِّدِ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ، وَلَا [هُوَ] [4] يَعْرِفُ حَالَ مَنْ يَقُودُهُ، بَلْ كَمَا يُقَالُ فِي الْمَثَلِ لِلْجَاهِلِ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: مَعَهُمْ. قِيلَ: فَإِلَى أَيْنَ يَذْهَبُونَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} يَعْنِي بِذَلِكَ: الْغَشَاوَةَ الَّتِي عَلَى الْقَلْبِ وَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَهِيَ كَقَوْلِهِ: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الْبَقَرَةِ: 7] ، وَكَقَوْلِهِ [5] : {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الْجَاثِيَةِ: 23] .
وَقَالَ أُبيّ بْنُ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} فَهُوَ يَتَقَلَّبُ فِي خَمْسَةٍ مِنَ الظُّلَمِ: كَلَامُهُ ظُلْمَةٌ، وَعَمَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَدْخَلُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَخْرَجُهُ ظُلْمَةٌ، وَمَصِيرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الظُّلُمَاتِ، إِلَى النَّارِ.
وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، والسُّدِّي نَحْوَ ذَلِكَ أَيْضًا.
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} أَيْ: مَنْ لَمْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ هَالِكٌ جَاهِلٌ حَائِرٌ بَائِرٌ كَافِرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُ} [الأعراف: 186] وهذا [في] (6)

[1] في أ: "الأول".
[2] في أ: "الصحيح".
[3] صحيح البخاري برقم (4581) وصحيح مسلم برقم (183) من حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
[4] زيادة من ف، أ.
[5] في أ: "وقوله".
(6) زيادة من ف، أ.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 71
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست