responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 575
لِلْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَيُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ كُلِّهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَمَعْنَى هَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ كُلا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ} [هُودٍ: 111] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي أَدَاءِ هَذَا الْحَرْفِ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ: "وَإن كُلٌّ لَمَا" بِالتَّخْفِيفِ، فَعِنْدَهُ أَنَّ "إِنْ" لِلْإِثْبَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ شَدَّدَ "لَمَّا"، وَجَعَلَ "إِنَّ" نَافِيَةً، وَ "لمَّا" بِمَعْنَى "إِلَّا" تَقْدِيرُهُ: وَمَا كُلٌّ إِلَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضِرُونَ، وَمَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَاحِدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36) } .
يَقُولُ تَعَالَى: {وَآيَةٌ لَهُمُ} أَيْ: دَلَالَةٌ لَهُمْ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ وَإِحْيَائِهِ الْمَوْتَى {الأرْضُ الْمَيْتَةُ} أَيْ: إِذَا كَانَتْ مَيِّتَةً هَامِدَةً لَا شَيْءَ فِيهَا مِنَ النَّبَاتِ، فَإِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجِ بَهِيجٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} أَيْ: جَعَلْنَاهُ رِزْقًا لَهُمْ وَلِأَنْعَامِهِمْ، {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ} أَيْ: جَعَلْنَا فِيهَا أَنْهَارًا سَارِحَةً فِي أَمْكِنَةٍ، يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ. لَمَّا امْتَنَّ عَلَى خَلْقِهِ بِإِيجَادِ الزُّرُوعِ لَهُمْ عَطَف بِذِكْرِ الثِّمَارِ وَتَنَوُّعِهَا وَأَصْنَافِهَا.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} أَيْ: وَمَا ذَاكَ كُلُّهُ إِلَّا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِهِمْ، لَا بِسَعْيِهِمْ وَلَا كَدِّهِمْ، وَلَا بِحَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَفَلا يَشْكُرُونَ} ؟ أَيْ: فَهَلَا يَشْكُرُونَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى؟ وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ -بَلْ جَزَمَ بِهِ، وَلَمْ يَحْكِ غَيْرُهُ إِلَّا احْتِمَالًا-أَنَّ "مَا" فِي قَوْلِهِ: {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} بِمَعْنَى: "الَّذِي"، تَقْدِيرُهُ: لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ، أَيْ: غَرَسُوهُ وَنَصَبُوهُ، قَالَ: وَهِيَ كَذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} .
ثُمَّ قَالَ: {سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ} أَيْ: مِنْ زُرُوعٍ وَثِمَارٍ وَنَبَاتٍ. {وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ} فَجَعَلَهُمْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، {وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: مِنْ مَخْلُوقَاتٍ شَتَّى لَا يَعْرِفُونَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذَّارِيَاتِ: 49] .
{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) }
يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنَ الدَّلَالَةِ لَهُمْ عَلَى قُدْرَتِهِ تَعَالَى الْعَظِيمَةِ خَلْقُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، هَذَا بِظَلَامِهِ وَهَذَا

نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 575
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست