responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 565
حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} ، وَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، وَبَاتُوا رُصَدَاء عَلَى بَابِهِ، حَتَّى خَرَجَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ خَارِجٌ مِنَ الدَّارِ، فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: نَنْتَظِرُ مُحَمَّدًا. قَالَ قَدْ خَرَجَ عَلَيْكُمْ، فَمَا بَقِيَ مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَّا [قَدْ] [1] وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ تُرَابًا، ثُمَّ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ. فَجَعَلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَنْفُضُ مَا عَلَى رَأْسِهِ مِنَ التُّرَابِ. قَالَ: وَقَدْ بَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ أَبِي [2] جَهْلٍ فَقَالَ: "وَأَنَا أَقُولُ ذَلِكَ: إِنَّ لَهُمْ مِنِّي لَذَبْحًا، وَإِنَّهُ أَحَدُهُمْ".
وَقَوْلُهُ: {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} أَيْ: قَدْ خَتَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالضَّلَالَةِ، فَمَا يُفِيدُ فِيهِمُ الْإِنْذَارُ وَلَا يَتَأَثَّرُونَ بِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، [3] وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ} [يونس:96، 97] .
{إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أَيْ: إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِإِنْذَارِكَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الذِّكْرَ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ} أَيْ: حَيْثُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، يَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ، وَعَالَمٌ بِمَا يَفْعَلُهُ، {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} أَيْ: لِذُنُوبِهِ، {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} أَيْ: كَبِيرٍ وَاسِعٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ، كَمَا قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الْمُلْكِ: 12] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي قَلْبَ مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَدْ مَاتَتْ قُلُوبُهُمْ بِالضَّلَالَةِ، فَيَهْدِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْحَقِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ قَسْوَةِ الْقُلُوبِ: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الْحَدِيدِ: 17] .
وَقَوْلُهُ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} أَيْ: مِنَ الْأَعْمَالِ.
وَفِي قَوْلِهِ: {وَآثَارَهُمْ} قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَكْتُبُ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي بَاشَرُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ، وَآثَارَهَمُ الَّتِي أَثَرُوهَا مِنْ بَعْدِهِمْ، فَنَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنَّ شَرًّا فَشَرٌّ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً، كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ [4] بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، ومَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ووزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا".
رَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفة، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفِيهِ قِصَّةُ مُجْتَابِي النَّمَّار المُضريَّين. [5] وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي الْمُحَيَّاةِ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} .
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانة، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عن أبيه، فذكره. (6)

[1] زيادة من أ.
[2] في ت: "قول أبا" وهو خطأ.
[3] عند تفسير الآية السادسة.
[4] في أ: "يعمل".
[5] صحيح مسلم برقم (1017) .
(6) صحيح مسلم برقم (1017) .
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 565
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست