responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 202
وَقَوْلُهُ: {وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أَيْ: جَعَلَهُ رِزْقًا لِلْعِبَادِ، {فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ} أَيْ: بَسَاتِينَ {ذَاتَ بَهْجَةٍ} أَيْ: مَنْظَرٍ حَسَنٍ وَشَكْلٍ بَهِيٍّ، {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} أَيْ: لَمْ تَكُونُوا تَقْدِرُونَ عَلَى إِنْبَاتِ شَجَرِهَا، وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ، الْمُسْتَقِلُّ بِذَلِكَ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ، دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، كَمَا يَعْتَرِفُ [1] بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزُّخْرُفِ: 87] ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الْعَنْكَبُوتِ: 63] أَيْ: هُمْ مُعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ الْفَاعِلُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، ثُمَّ هُمْ يَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ مِمَّا يَعْتَرِفُونَ أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَرْزُقُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفرَدَ بِالْعِبَادَةِ مَن هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} أَيْ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ يُعْبَدُ. وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ، وَلِكُلِّ ذِي لُبٍّ مِمَّا يَعْرِفُونَ [2] بِهِ أَيْضًا أَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ.
وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [أَيْ: أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ] [3] فَعَلَ هَذَا. وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ الْجَوَابِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَيْسَ ثَمَّ أحدٌ فَعَلَ هَذَا مَعَهُ، بَلْ هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِهِ. فَيُقَالُ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَهُوَ الْمُسْتَقِلُّ الْمُتَفَرِّدُ بِالْخَلْقِ وَالتَّدْبِيرِ؟ كَمَا قَالَ: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ} [النَّحْلِ: 17] .
وَقَوْلُهُ هَاهُنَا: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ} : {أَمَّنْ} فِي هَذِهِ الْآيَاتِ [كُلِّهَا] [4] تَقْدِيرُهُ: أَمَّنْ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا؟ هَذَا مَعْنَى السِّيَاقِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ فِي قُوَّةِ الْكَلَامِ مَا يُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ قَالَ: {آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} .
ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} أَيْ: يَجْعَلُونَ لِلَّهِ عِدْلًا وَنَظِيرًا. وَهَكَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزُّمَرِ: 9] أَيْ: أَمَّنْ هُوَ هَكَذَا كَمَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ} [الزُّمَرِ: 9] ، {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزُّمَرِ: 22] ، وَقَالَ {أَفَمَنْ [5] هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرَّعْدِ: 33] أَيْ: أمَنْ هُوَ شَهِيدٌ عَلَى أَفْعَالِ الْخَلْقِ، حَرَكَاتِهِمْ وَسَكَنَاتِهِمْ، يَعْلَمُ الْغَيْبَ جَلِيلَهُ وَحَقِيرَهُ، كَمَنْ هُوَ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَبَدُوهَا؟ وَلِهَذَا قَالَ: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} [الرَّعْدِ: 33] ، وَهَكَذَا هَذِهِ الآيات الكريمات كلها.

[1] في ف: "كما يعرف".
[2] في ف، أ: "يعترفون".
[3] زيادة من ف، أ.
[4] زيادة من ف، أ.
[5] في جميع النسخ: "أمن" والصواب ما أثبتناه.
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 202
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست