responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 117
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أَيْ: خَلَقَ الْمَاءَيْنِ: الْحُلْوَ وَالْمِلْحَ، فَالْحُلْوُ كَالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ، وَهَذَا هُوَ الْبَحْرُ الْحُلْوُ الْفُرَاتُ الْعَذْبُ الزُّلَالُ. قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ بَحْرٌ سَاكِنٌ وَهُوَ عَذْبٌ فُرَاتٌ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِالْوَاقِعِ [1] لِيُنَبِّهَ الْعِبَادَ عَلَى نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ لِيَشْكُرُوهُ، فَالْبَحْرُ الْعَذْبُ هُوَ هَذَا السَّارِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَرَقَهُ تَعَالَى بَيْنَ خِلْقِهِ لِاحْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ أَنْهَارًا وَعُيُونًا فِي كُلِّ أَرْضٍ بِحَسَبِ حَاجَتِهِمْ وَكِفَايَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَرَاضِيهِمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} أَيْ: مَالِحٌ مُرّ زُعَاقٌ لَا يُسْتَسَاغُ، وَذَلِكَ كَالْبِحَارِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ: الْبَحْرِ الْمُحِيطِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الزُّقَاقِ وَبَحْرِ الْقُلْزُمِ، وَبَحْرِ الْيَمَنِ، وَبَحْرِ الْبَصْرَةِ، وَبَحْرِ فَارِسَ وَبَحْرِ الصِّينِ وَالْهِنْدِ وَبَحْرِ الرُّومِ وَبَحْرِ الْخَزَرِ، وَمَا شَاكَلَهَا وَشَابَهَهَا [2] مِنَ الْبِحَارِ السَّاكِنَةِ الَّتِي لَا تَجْرِي، وَلَكِنْ تَتَمَوَّجُ وَتَضْطَرِبُ وَتَغْتَلِمُ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ وَشِدَّةِ الرِّيَاحِ، وَمِنْهَا مَا فِيهِ مَدٌّ وجَزْر، فَفِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ يَحْصُلُ مِنْهَا مَدٌّ وَفَيْضٌ [3] ، فَإِذَا شَرَعَ الشَّهْرُ فِي النُّقْصَانِ جَزَرت، حَتَّى تَرْجِعَ إِلَى غَايَتِهَا الْأُولَى، فَإِذَا اسْتَهَلَّ الْهِلَالُ مِنَ الشَّهْرِ الْآخَرِ شَرَعَتْ فِي الْمَدِّ إِلَى اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ عَشْرَةَ [4] ثُمَّ تَشْرَعُ فِي النَّقْصِ، فَأَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -وَلَهُ الْقُدْرَةُ التَّامَّةُ -الْعَادَةَ بِذَلِكَ. فَكُلُّ هَذِهِ الْبِحَارِ السَّاكِنَةِ خَلَقَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَالِحَةَ الْمَاءِ، لِئَلَّا يَحْصُلَ بِسَبَبِهَا نَتَنُ الْهَوَاءِ، فَيَفْسَدُ الْوُجُودُ بِذَلِكَ، وَلِئَلَّا تَجْوَى الْأَرْضُ بِمَا يَمُوتُ فِيهَا مِنَ الْحَيَوَانِ. وَلَمَّا كَانَ مَاؤُهَا مِلْحًا كَانَ هَوَاؤُهَا صَحِيحًا وَمَيْتَتُهَا طَيِّبَةً؛ وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد سُئِلَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ: أَنَتَوَضَّأُ بِهِ؟ فَقَالَ: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ". رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ: مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَأَهْلُ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ [5] .
وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا} أَيْ: بَيْنَ الْعَذْبِ وَالْمَالِحِ {بَرْزَخًا} أَيْ: حَاجِزًا، وَهُوَ اليَبَس مِنَ الْأَرْضِ، {وَحِجْرًا مَحْجُورًا} أَيْ: مَانِعًا أَنْ يَصِلَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ، كَمَا قَالَ: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرَّحْمَنِ: 19 -21] ، وَقَالَ تَعَالَى: {أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النَّمْلِ: 61] .
وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} أَيْ: خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ ضَعِيفَةٍ، فَسَوَّاهُ وعَدّله، وَجَعْلَهُ كَامِلَ الْخِلْقَةِ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، كَمَا يَشَاءُ، {فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} ، فَهُوَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ وَلَدٌ نَسِيبٌ، ثُمَّ يَتَزَوَّجُ فَيَصِيرُ صِهْرًا، ثُمَّ يَصِيرُ لَهُ أَصْهَارٌ وَأُخْتَانٌ وَقَرَابَاتٌ. وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} .
{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55) }

[1] في أ: "عن الواقع".
[2] في أ: "وأشبهها".
[3] في أ: "وقيض".
[4] في أ: "عشر".
[5] سبق تخريجه عند تفسير الآية: 3 من سورة المائدة.
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (56) قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلا (57) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا (58) الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا (59) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60) } .
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 6  صفحه : 117
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست