responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 3  صفحه : 62
وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} وَهَذِهِ هِيَ الْبَيْعَةُ الَّتِي كَانُوا يُبَايِعُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا عِنْدَ إِسْلَامِهِمْ، كَمَا قَالُوا: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَلَّا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ"، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الْحَدِيدِ: 8] وَقِيلَ: هَذَا تِذْكَارٌ لِلْيَهُودِ بِمَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ فِي مُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِانْقِيَادِ لِشَرْعِهِ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: هُوَ تِذْكَارٌ بِمَا أَخَذَ تَعَالَى مِنَ الْعَهْدِ عَلَى ذُرِّيَّةِ آدَمَ حِينَ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ صُلْبِهِ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الْأَعْرَافِ: 172] قَالَهُ مُجَاهِدٌ، ومُقَاتِل بْنُ حَيَّان. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَهُوَ الْمَحْكِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، والسُّدِّي. وَاخْتَارَهُ [1] ابْنُ جَرِيرٍ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} تَأْكِيدٌ وَتَحْرِيضٌ عَلَى مُوَاظَبَةِ التَّقْوَى فِي كُلِّ حَالٍ.
ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا يَتَخَالَجُ فِي الضَّمَائِرِ وَالسَّرَائِرِ مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْخَوَاطِرِ، فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ} أَيْ: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْحَقِّ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، لَا لِأَجْلِ النَّاسِ وَالسُّمْعَةِ، وَكُونُوا {شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} أَيْ: بِالْعَدْلِ لَا بِالْجَوْرِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نَحْلا فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهد رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَجَاءَهُ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ: "أُكَلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا فِي [2] أَوْلَادِكُمْ". وَقَالَ: "إِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْر". قَالَ: فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. (3)
وَقَوْلُهُ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا} أَيْ: لَا يَحْمِلْنَكُمْ بُغْض قَوْمٍ عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، بَلِ اسْتَعْمِلُوا الْعَدْلَ فِي كُلِّ أَحَدٍ، صَدِيقًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} أَيْ: عَدْلُكم أَقْرَبُ إِلَى التَّقْوَى مِنْ تَرْكِهِ. وَدَلَّ الْفِعْلُ عَلَى الْمَصْدَرِ الَّذِي عَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِ، كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النُّورِ: 28]
وَقَوْلُهُ: {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي لَيْسَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] [4] {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا} [الْفُرْقَانِ: 24] وَكَقَوْلِ [5] بَعْضِ الصَّحَابِيَّاتِ لِعُمَرَ: أَنْتَ أفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. (6)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} أَيْ: وَسَيَجْزِيكُمْ عَلَى مَا عَلِمَ مِنْ أَفْعَالِكُمُ الَّتِي عَمِلْتُمُوهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} أَيْ: لِذُنُوبِهِمْ {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} وَهُوَ: الْجَنَّةُ الَّتِي هِيَ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، لَا يَنَالُونَهَا بِأَعْمَالِهِمْ، بَلْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ وُصُولِ الرَّحْمَةِ إِلَيْهِمْ أعمالهم، وهو تعالى

[1] في ر، أ: "واختيار".
[2] في أ: "بينكم".
(3) صحيح البخاري برقم (2586) وصحيح مسلم برقم (1623) .
[4] زيادة من أ.
[5] في ر: "ولقول".
(6) صحيح البخاري برقم (3294) وصحيح مسلم برقم (1396)
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 3  صفحه : 62
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست