responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 3  صفحه : 42
وَقَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ} أَيْ: وَأَحِلُّ لَكُمْ نِكَاحُ الْحَرَائِرِ الْعَفَائِفِ مِنَ النِّسَاءِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَذِكْرُ هَذَا تَوْطِئَةٌ لِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُم} فَقِيلَ: [1] أَرَادَ بِالْمُحَصَّنَاتِ: الْحَرَائِرُ دُونَ الْإِمَاءِ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ. وَإِنَّمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُحْصَنَاتُ: الْحَرَائِرُ، فَيُحْتَمَلُ [2] أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالْحُرَّةِ الْعَفِيفَةَ، كَمَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ. وَهُوَ [3] قَوْلُ الْجُمْهُورِ هَاهُنَا، وَهُوَ الْأَشْبَهُ؛ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ ذِمِّيَّةً وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرُ عَفِيفَةٍ، فَيُفْسِدُ حَالَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، وَيَتَحَصَّلُ زَوْجُهَا عَلَى مَا قِيلَ [4] فِي الْمَثَلِ: "حَشفَا [5] وسَوء كَيْلَةٍ". [6] [7] وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ: الْعَفِيفَاتُ عَنِ الزِّنَا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النِّسَاءِ: 25] .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْعُلَمَاءُ فِي قوله: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} هَلْ يَعُمُّ كُلَّ كِتَابِيَّةٍ عَفِيفَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً؟ حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ، مِمَّنْ فَسَّرَ الْمُحْصَنَةَ بِالْعَفِيفَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هَاهُنَا الْإِسْرَائِيلِيَّاتُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ: الذِّمِّيَّاتُ دُونَ الْحَرْبِيَّاتِ؛ لِقَوْلِهِ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ [وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ] } [التَّوْبَةِ: 29] (8)
وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا يَرَى التَّزْوِيجَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ، وَيَقُولُ: لَا أَعْلَمَ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ تَقُولَ: إِنَّ رَبَّهَا عِيسَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: 221] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَدِّبُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ -يَعْنِي المُزَنِيّ-حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَمِيع، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} قَالَ: فَحَجَزَ النَّاسُ عَنْهُنَّ حَتَّى نَزَلَتِ الَّتِي بَعْدَهَا: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَنَكَحَ النَّاسُ [مِنْ] [9] نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَقَدْ تَزَوَّجَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ نِسَاءِ النَّصَارَى وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا، أَخْذًا بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} فَجَعَلُوا [10] هَذِهِ مُخَصَّصَةً لِلْآيَةِ الَّتِي الْبَقَرَةِ: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [الْآيَةَ: 221] إِنْ قِيلَ بِدُخُولِ الْكِتَابِيَّاتِ فِي عُمُومِهَا، وَإِلَّا فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا [11] ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ يُفْصَل فِي ذِكْرِهِمْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ} [الْبَيِّنَةُ: [1]] وَكَقَوْلِهِ [12] {وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا} الآية [آل عمران: 20]

[1] في د: "قيل"، وفي أ: "قلت".
[2] في أ: "يحتمل".
[3] في أ: "وهي".
[4] في د: "كما قيل".
[5] في ر، د: "حثف".
[6] في أ: "كلية"، وهو خطأ.
[7] الحشف: أردأ التمر، وانظر: مجمع الأمثال للميداني (1/207) .
(8) زيادة من ر، أ. وفي هـ: "الآية".
[9] زيادة من أ.
[10] في أ: "وجعلوا".
[11] في ر، أ: "وبيننا".
[12] في ر: "ولقوله".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 3  صفحه : 42
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست