responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 3  صفحه : 343
{كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} الذُّرِّيَّةُ: الْأَصْلُ، وَالذُّرِّيَّةُ: النَّسْلُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أَيْ: أَخْبِرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّ الَّذِي يُوعَدُونَ [1] بِهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَادِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} أَيْ: وَلَا تُعْجِزُونَ اللَّهَ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَتِكُمْ، وَإِنْ صِرْتُمْ تُرَابًا رُفَاتًا وَعِظَامًا هُوَ قَادِرٌ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهَا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حِمْيَرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدُرْي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "يَا بَنِي آدَمَ، إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعُدُّوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْمَوْتَى. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لِآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ" [2] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} هَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ، أَيِ: اسْتَمِرُّوا عَلَى طَرِيقِكُمْ [3] وَنَاحِيَتِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنَّكُمْ عَلَى هُدًى، فَأَنَا مُسْتَمِرٌّ عَلَى طَرِيقَتِي وَمَنْهَجِي، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} [هُودٍ: 121، 122] .
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {عَلَى مَكَانَتِكُمْ} أَيْ: نَاحِيَتِكُمْ.
{فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أَيْ: أَتَكُونُ لِي أَوْ لَكُمْ. وَقَدْ أَنْجَزَ مَوْعِدَهُ لَهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى مَكَّنَ لَهُ فِي الْبِلَادِ، وَحَكَّمَهُ فِي نَوَاصِي مُخَالِفِيهِ مِنَ الْعِبَادِ، وَفَتَحَ لَهُ مَكَّةَ، وَأَظْهَرَهُ عَلَى مَنْ كَذَّبَهُ مِنْ قَوْمِهِ وَعَادَاهُ وَنَاوَأَهُ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَى سَائِرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَكَذَلِكَ الْيَمَنُ وَالْبَحْرَيْنِ، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ. ثُمَّ فُتِحَتِ الْأَمْصَارُ وَالْأَقَالِيمُ وَالرَّسَاتِيقُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي أَيَّامِ خُلَفَائِهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [الْمُجَادَلَةِ: 20] ، وَقَالَ {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ. يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غَافِرَ: 51، 52] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 105] ، وَقَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ رُسُلِهِ: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ. وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إِبْرَاهِيمَ: 13، 14] ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} الْآيَةَ [النُّورِ: 55] ، وَقَدْ فَعَلَ اللَّهُ [تَعَالَى] [4] ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةِ أولا وآخرًا، باطنًا وظاهرًا [5] .

[1] في أ: "توعدون".
[2] ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (10564) وأبو نعيم في الحلية (6/91) من طريق محمد بن المصفى، عن محمد بن حمير به، قال أبو نعيم: "غريب من حديث عطاء، وأبي بكر تفرد به محمد بن حمير".
[3] في د، أ: "طريقتكم".
[4] زيادة من م، أ.
[5] في م، أ: "وظاهرا وباطنا ".
نام کتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة نویسنده : ابن كثير    جلد : 3  صفحه : 343
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست