نام کتاب : اللباب في علوم الكتاب نویسنده : ابن عادل جلد : 10 صفحه : 405
فإن قيل: إنَّ الإنسان إذا وقع في الغرق لا يمكنه أن يتلفَّظ بهذا اللفظ، فكيف حكى الله عنه أنَّهُ ذكر ذلك؟ .
فالجوابُ من وجهين:
الأول: أنَّ الكلام الحقيقيَّ هو كلام النَّفْسِ لا كلام اللسان، فذكر هذا الكلام بالنفس.
الثاني: أن يكون المرادُ بالغرق مقدماته.
فإن قيل: إنَّه آمن ثلاث مرات على ما تقدم عن الزمخشري، فما السَّببُ في عدم القبولِ؟
فالجواب: من وجوهٍ:
أحدها: أنَّهُ إنَّمَا آمن عند نزول العذاب، والإيمان في هذا الوقت غير مقبول، قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85] .
الثاني: إنَّما ذكر هذه الكلمة ليتوسَّل بها إلى دفع تلك البلية الحاضرة، ولم يكن مقصودهُ بالكلمة الإقرار بوحدانية الله تعالى، فلم يَكُنْ مُخْلِصاً.
وثالثها: أنَّ ذلك الإقرار كان تقليداً، فإنهُ قال: {لاا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ} فكأنه اعترف بأنَّه لا يعرفُ الله، وإنَّما سمع من بني إسرائيل أنَّ للعالم إلهاً، فهو أقَرّ بذلك الإله الذي سمع بني إسرائيل يُقرُّونَ بوجوده، وهذا محضُ التَّقليدِ، وفرعون قيل إنَّهُ كان من الدَّهرية المنكرين لوجود الصَّانع، ومثل هذا الاعتقاد الفاحش لا يزولُ إلاَّ بالحُجَّةِ القطعيَّة، لا بالتَّقليد المحضِ.
ورابعها: أنَّ بعض بني إسرائيل لمَّا جاوزوا البحر عبدُوا العجل، فلما قال فرعون: {آمَنتُ أَنَّهُ لاا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ} انصرف ذلك إلى العجلِ الذي آمنوا بعبادته، فكانت هذه الكلمةُ في حقه سبباً لزيادة كُفْره.
وخامسها: أنَّ أكثر اليهُودِ يقولون بالتَّشبيه والتَّجْسِيم، ولهذا اشتغلوا بعبادة العجل لظنِّهم أنَّهُ تعالى في جسد ذلك العجل، فلمَّا قال فرعونُ: {آمَنتُ أَنَّهُ لاا إله إِلاَّ الذي آمَنَتْ بِهِ بنوا إِسْرَائِيلَ} فكأنَّهُ آمن بالله الموصوف بالجسميَّة، والحلول والنُّزول، ومن اعتقد ذلك؛ فهو كافرٌ، فلذلك ما صحَّ إيمانُهُ.
وسادسها: أنَّ الإيمان إنَّما يتمُّ بالإقرارِ بوحدانية الله، والإقرار بنُبُوَّةِ موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - فلمَّا أقرَّ فرعونُ بالوحدانية، ولمْ يقر بنبوَّةِ موسى لم يصحَّ إيمانه؛ كما لو قال الكافر ألف مرة: أشهد أن لا إله إلاَّ الله لم يصح إيمانه حتى يقول معه: وأشهدُ أنَّ محمداً رسول الله، فكذا ههنا.
وسابعها: روى الزمخشري أنَّ جبريل - عليه السلام - أتى فرعون مُستفتياً: ما قولُ
نام کتاب : اللباب في علوم الكتاب نویسنده : ابن عادل جلد : 10 صفحه : 405