نام کتاب : اللباب في علوم الكتاب نویسنده : ابن عادل جلد : 10 صفحه : 382
وقال أبُو البقاء ومكِّي: إنَّ الضمير في كانوا يعُود على قوم الرُّسُل، وفي «كَذَّبُوا» يعود على قوم نوح، والمعنى: فما كان قوم الرُّسُل ليؤمنوا بما كذَّب به قوم نُوح، أي: بمثله، ويجوز أن تكون الهاءُ عائدة على نوح نفسه، من غير حذف مضافٍ، والتقدير: فما كان قومُ الرُّسُل بعد نوح ليؤمنوا بنوحٍ؛ إذ لو آمنوا به، لآمنوا بأنبيائهم.
و «مِنْ قَبْلُ» متعلقٌ ب «كَذَّبُوا» أي: من قبل بعثةِ الرُّسُل.
وقيل: الضَّمائرُ كُلُّها تعودُ على قوم الرسل بمعنى آخر: وهو أنَّهم بادرُوا رسلهم بالتكذيب، كُلما جاء رسولٌ، لجُّوا في الكفر، وتمادوا عليه، فلم يكونوا ليؤمنوا بما سبق به تكذيبهم من قبل لجِّهم في الكفر، وتماديهم.
وقال ابن عطية: ويحتمل اللَّفظُ عندي معنى آخر، وهو أن تكون «ما» مصدرية، والمعنى: فكذَّبُوا رسلهم، فكان عقابهم من الله أن لم يكونوا ليُؤمِنُوا بتكذيبهم من قبل، أي: من سببه ومن جرَّائه، ويُؤيِّد هذا التأويل: «كذلِكَ نَطْبَعُ» وهو كلام يحتاجُ إلى تأمُّل.
قال أبو حيان: والظَّاهر أنَّ «ما» موصولةٌ؛ ولذلك عاد الضميرُ عليها في قوله: {بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ} ولو كانت مصدرية، بقي الضمير غير عائدٍ على مذكور؛ فتحتاج أن يُتكلَّفَ ما يعود عليه الضمير.
قال شهاب الدِّين - رَحِمَهُ اللَّهُ -: «الشيخ بناه على قول جمهور النُّحاة: في عدم كونِ» ما «المصدريَّة اسماً؛ فيعُود عليها ضميرٌ، وقد تقدَّم مراراً، أنَّ مذهب الأخفش، وابن السراج: أنَّها اسمٌ فيعود عليها الضمير» .
قرأ العامَّةُ: «نَطْبَع» بالنُّون الدَّالة على تعظيم المتكلِّم. وقرأ العبَّاس بن الفضل: بياء الغيبة، وهو الله - تعالى -؛ ولذلك صرَّح به في موضعٍ آخر: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله} [الأعراف: 101] . والكافُ نعتٌ لمصدر محذوف، أو حالٌ من ذلك المصدر على حسب ما عرفته من الخلاف، أي: مثل ذلك الطَّبع المحكم الممتنع زواله، نطبع على قلوب المعتدين على خلق الله.
فصل
احتجَّ أهل السُّنَّة على أنَّه - تعالى - قد يمنع المكلَّلإ عن الإيمان بهذه الآية.
قالت المعتزلة: فقد قال - تعالى -: {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء: 155] ولو كان هذا الطَّبع مانِعاً، لما صحَّ هذا الاستثناء، وقد تقدَّم البحث في ذلك عند قوله - تعالى -: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ} [البقرة: 7] .
نام کتاب : اللباب في علوم الكتاب نویسنده : ابن عادل جلد : 10 صفحه : 382