نام کتاب : اللباب في علوم الكتاب نویسنده : ابن عادل جلد : 10 صفحه : 363
عمله، قال ابن عبَّاس: وما تكونُ يا محمَّدُ في شأن، أي: في عملٍ من أعمالِ البِرِّ، وقال الحسن: في شأن من شأن الدُّنْيَا.
قوله: {وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} هذا خطابٌ للنبي وأمَّتِهِ، وخُصَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالخطاب أوَّلاً، ثم عُمِّمَ الخطاب مع الكلِّ؛ لأنَّ تخصيصهُ وإن كان في الظَّاهر مُخْتَصّاً بالرسول، إلاَّ أنَّ الأمَّة داخلُون فيه؛ لأنَّ رئيس القوم إذا خُوطب دخل قومُهُ في ذلك الخطاب؛ كقوله: {يا أيها النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ} [الطلاق: 1] .
قوله: «إِلاَّ كُنَّا» هذه الجملةُ حاليةٌ، وهو استثناء مفرَّغ، ووليَ «إلا» هنا الفعلُ الماضي دون «قَدْ» لأنَّه قد تقدَّمها فعلٌ، وهو مُجَوِّزٌ لذلك، وقوله: «إذْ» هذا الظرفُ معمول ل «شُهُوداً» ولمَّا كانت الأفعالُ السَّابقةُ المرادُ بها الحالةُ الدَّائمةُ، وتنسحبُ على الأفعالِ الماضيةِ، كان الظَّرفُ ماضياً، وكان المعنى: وما كنت، وما تكون، وما عملتم، إلاَّ كُنَّا عليكم شُهُوداً، إلاَّ أفضتُم فيه، و «إذا» تُخَلِّصُ المضارع لمعنى الماضي، ومعنى «تُفِيضُونَ» أي: تدخلون فيه وتفيضون، والإفاضة: الدُّخُول في العملِ، يقال: أفاض القوم في الحديث؛ إذا اندفعُوا فيه، وقد أفَاضُوا من عرفة؛ إذا دفعوا منها بكثرتهم.
فإن قيل: «إذ» ههنا بمعنى: «حين» ، فيصير التقدير: إلاَّ كُنَّا عليكم شُهُوداً حين تفيضون فيه، وشهادة الله - تعالى - عبارة عن علمه؛ فيلزم منه أنَّه - تعالى - ما علم الأشياءَ إلاَّ عند وجودها، وذلك باطلٌ.
فالجواب: أنَّ هذا السُّؤال بناءً على أن شهادة الله عبارةٌ عن علمه، وهذا ممنوعٌ؛ فإنَّ الشهادة لا تكون إلاَّ عند المشهود عليه، أمَّا العلم فلا يمتنع تقدُّمه على الشَّيءِ، ويدلُّ على ذلك أنَّ الرسول لو أخبرنا عن زيدٍ أنَّهُ يأكل غداً، كنا من قبل حُصُول تلك الحالةِ عالمين بها، ولا نُوصفُ بكوننا شاهدين بها.
قوله - تعالى -: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ} قرأ الكسائيُّ هنا، وفي سبأ [سبأ 3] : «يَعْزِب» بكسر الزَّاي، والباقون بضمها، وهما لغتان في مضارع «عَزَبَ» ، يقال: عَزَب يَعْزِب ويَعْزُب. أي: غَابَ حَتَّى خَفِي، ومنه الروض العازبُ؛ قال أبو تمام: [الطويل]
2910 - وقَلْقلَ نأيٌ مِنْ خُراسانَ جَأشهَا ... فقُلْتُ: اطمئنِّي، أنْضَرُ الرَّوضِ عازبُهْ
وقيل للغائب عن أهله: «عازِب» ، حتَّى قالوا لِمَنْ لا زوج له: عازب. وقال الرَّاغب: «العازِبُ: المُتباعدُ في طلب الكلأ، ويقال: رجل عزبٌ وامرأة عزبةٌ، وعزبَ
نام کتاب : اللباب في علوم الكتاب نویسنده : ابن عادل جلد : 10 صفحه : 363