ولا بدّ من أن يقف المرء هنا وقفة متأملة أمام هذا الأدب الإسلامى الرفيع، الذي يضفى على أتباعه سترا جميلا من التصوّن، والتعفف، والحياء، بهذه الحواجز الرقيقة التي لا تشف عما وراءها من عورات، وذلك لا يكون إلا فى مجتمع كملت إنسانيته، ورقت مشاعره، فعرف لنفسه قدرها، ولكرامته حقها..
إن الحياء هو لباس الإنسانية التي جمّلها الله سبحانه وتعالى به.. ولهذا كان أول ما ظهر على آدم من صفات الإنسان هى ستر عورته، حين ظهرت إرادته بهذا العصيان الذي عصى به ربّه، وأكل من الشجرة التي نهى عن الأكل منها.. إنه هنا كائن ذو إرادة.. إنه إنسان..! ولن يكون إنسانا وهو فى هذا العرى الحيواني.. فكان أن نظر آدم وزوجه إلى وجودهما، فرأيا سوءتيهما، وفرض عليهما الحياء أن يسترا ما استحييا منه.. وقد أسعفتهما الحيلة، فطفقا يخصفان عليهما من أوراق الشجر، ما ستر العورة.
هذا هو الإنسان فى أصل فطرته.. الحياء أول شعور وجده فى كيانه، وستر العورة أول صنيع صنعه ليخرج به عن عالم الحيوان..!
ومن أجل هذا كان من آداب الإسلام، هذا الحرص الشديد على الحفاظ على عورات المسلمين، وعلى إيقاظ مشاعر الحياء فيهم، بما أوجب عليهم من أحكام وآداب، فى المخالطة والمعاشرة، والاستئذان وستر العورة، حتى يظل ماء الحياء ساريا فى كيانهم، تتغذّى منه مشاعرهم، وتسمو به إنسانيتهم.. فإنه لا إنسانية إذا خفّ ماء الحياء فيها.. وفى هذا يقول الرسول الكريم: «الحياء خير كله» ..
«والحياء شعبة الإيمان» .. «الحياء من الإيمان» ..
فأين هذا الأدب الرفيع من تلك الحياة البهيمية التي تعيش فيها أمم تعد فى نظر المجتمعات الإنسانية قائمة على قمة الرقىّ، مستولية على زمام المدنية