وبدء سورة: «المؤمنون» بقوله تعالى: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ... » إلى آخر الآيات- هو استقبال كريم لهؤلاء المؤمنين الذين دعوا إلى الله، واستجابوا لدعوته، وآمنوا به.. فهؤلاء المؤمنون، قد أفلحوا، وفازوا برضوان الله.. وكان هذا الخبر من معجّل البشريات لهم فى هذه الدنيا.
ومن صفات هؤلاء المؤمنين المفلحين، أنهم فى صلاتهم خاشعون.. أي يؤدّون صلاتهم فى خشوع، وخشية، وولاء.. إنها صلاة تفيض من قلب خاشع لجلال الله، راهب لعظمته، فكيان المؤمن كله، ووجدانه جميعه، وهو قائم فى محراب الصلاة- مشتمل عليه هذا الجلال، مستولية عليه تلك الرهبة.
ومن أجل هذا كان لتلك الصلاة الخاشعة الضارعة أثرها العظيم، فى إيقاظ مشاعر الخير فى المصلين، وفى تصفية أنفسهم من وساوس السوء.. فهم لهذا:
«عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ» أي لا يقبلون اللّغو، ولا يتعاملون به.. فإذا نطقوا، نطقوا خيرا أو سكتوا، وإذا سمعوا، سمعوا حسنا أو انصرفوا.. إنهم- وقد صفت نفوسهم، وطهرت قلوبهم- ليعافون موارد اللّغو، من القول التافه، أو الحديث الباطل..
ثم هم «لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ» أي يؤدون زكاة أموالهم، ويشاركون الفقراء والمحتاجين فيما رزقهم الله من فضله، فلا يضنّون بما فى أيديهم، ولا يؤثرون أنفسهم بما معهم..
وفى التعبير عن أدائهم للزكاة، بأنهم فاعلون لها- إشارة إلى أن الزكاة ليست من نافلة الأعمال، التي تصدر عن غير وعى أو شعور من الإنسان، بل إنها شىء عظيم، يحتاج إلى يقظة كاملة ممن يؤديها.. وذلك من وجوه:
فأولا: نظره إلى المجتمع الذي حوله، وإلى الجوانب الضعيفة منه، وإلى