وقد تداخلت مع هذه الرواية روايات أخرى، وكأنها تريد أن تفسر هذه الواقعة، وتجد لها وجها تقبل عليه.
فتقول بعض الروايات: إن الشيطان ألقى على لسان النبىّ هذا القول، الذي قاله فى حق الآلهة- اللات والعزى ومناة- وأنه صلى الله عليه وسلم، كان قد ألمّ به ضيق وحزن شديد، لما كان بينه وبين قومه من خلاف مستحكم، «فتمنى» فى تلك الحال أن لو نزل عليه شىء من القرآن يقارب بينه وبين قومه، ويباعد شقة الخلاف بينه وبينهم، ولهذا فإنه- عليه الصلاة والسلام- حين تلا سورة النجم، وبلغ الموضع الذي تذكر فيه آلهتهم، ألقى الشيطان إليه بهذه الكلمات، التي ترفع من شأنها، وتجعل لها مكان الشفاعة عند الله.. ثم تستطرد الرواية فتقول: «إن جبريل- عليه السلام- جاء إلى النبىّ، فلما عرض عليه النبىّ السورة بما أدخله الشيطان عليها، قال له جبريل: «ما جئتك بها هكذا!!» فحزن النبىّ لذلك، فنزل قوله تعالى- تسلية له-: «وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ، ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ..» ثم قوله تعالى: «وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً» (73- 75: الإسراء) .
ونقول: إن هذه الروايات، وتلك النقول، كانت موضع إنكار، واستنكار عند بعض المفسّرين، وأصحاب السير.. إذ كانت- فى صورتها تلك- عدوانا صارخا على مقام النبوّة، ونسخا صريحا لعصمة النبىّ.!
وقد كان القاضي عياض خير من تصدّى لهذه الأكذوبة، وفضح مستورها