العرب، وهم القاسية قلوبهم، إذ كانوا بعملهم هذا- من أهل كتاب ومشركين- دعوة إلى الضلال، تواجه دعوة الهدى التي يدعو بها الرسول والنبىّ.. والله سبحانه وتعالى يقول: «وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً» (20:
الفرقان) ويقول سبحانه على لسان المؤمنين: «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» (5: الممتحنة) .
وفى قوله تعالى: «وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ» إشارة أخرى إلى أن هؤلاء الذين ألقى بهم الشيطان فى طريق الدعوة التي يدعو بها الرسول أو النبىّ- هم متلبسون بظلم عظيم، لما هم عليه من شقاق بعيد عن مواطن الحق، ومن خلاف قائم على الجرأة والتجرد من الحياء، فى إنكار البديهيات، وفى عدم التسليم بها والانقياد لها:
ثم يجىء بعد هذا قوله تعالى:
«وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ.. وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .
أي أنه من هذا الاحتكاك بين الحقّ الذي يدعو إليه الرسول أو النبىّ، وبين الباطل الذي يلقى به الشيطان وأولياء الشيطان فى وجه هذا الحق- فى هذا الاحتكاك تنقدح شرارات مضيئة، يرى أهل العلم والمعرفة على ضوئها فرق ما بين الحق والباطل، فتزداد معرفتهم بالحق، ويقوى تعلقهم به، واطمئنان قلوبهم وإخباتها له.. «وَإِنَّ اللَّهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ، بهذا الصراع الذي يقوم بين الحق والباطل، فلا يعشى أبصارهم عن الحق هذا الغبار الذي يثيره الباطل والمبطلون فى وجهه، بل إن ذلك ليزيد من نور الحق، ويضاعف من جلاله وروائه.. كالشمس، يحجبها السحاب، فإذا انقشع السحاب وسفرت عن وجهها، كانت أحسن حسنا وأبهى بهاء.. إن ذلك شأن كلّ ضدّ يلتقى بضده.. فالحسن يزداد مع القبيح حسنا، والحلو يكون بعد مذاق