والتمنّى فى اللغة معروف، وهو طلب النّفس لرغيبة من الرغائب المحبوبة، البعيدة عن أن تنال، بعدا يكاد يبلغ حدّ الاستحالة.
وقد فرّق علماء النحو والبلاغة بين الترجّى، والتّمنّي، كما فرّقوا بين حرفى الطلب: ليت، ولعلّ.. فقالوا: إن «ليت» للتمنّى، وهو طلب محبوب لا يدرك، و «لعلّ» للترجّى، وهو طلب مرغوب يمكن إدراكه والحصول عليه، وإن كان بعيدا.
وفى القرآن الكريم، جاء لفظ التمني بهذا المعنى، الذي هو طلب الشيء البعيد.. كما فى قوله تعالى: «فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ» (94- 95: البقرة) .
والخطاب هنا لبنى إسرائيل، وهم مطالبون فى هذا الخطاب أن يتمنّوا شيئا لا يمكن أن يقع منهم، وهو تمنّى الموت.. ولهذا جاء قوله تعالى: «وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً» كاشفا عن هذا.. ولهذا أيضا جاء قوله تعالى بعد ذلك:
«وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ» - جاء مؤكدا لعدم وقوع هذا الأمر منهم، إذ أن الحريص على الشيء لا يتمنى إفلاته من يده، فكيف إذا كان أشدّ الناس حرصا عليه؟
وجاء فى القرآن الكريم أيضا قوله تعالى: «أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى؟» (24: النجم) وهو ينكر على الإنسان أن يقع له ما يتمناه، ويجرى على هواه وهواجسه..
وجاء فى القرآن الكريم كذلك فى قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ» (78: البقرة) والأمانىّ جمع أمنيّة..
وعلم الأميين من أهل الكتاب، بالكتاب، هو علم بعيد عن الحقّ، بعد الأمنية عمن يتمنّاها.