رأت فيه شيئا لم تعرفه الأمهات فى أبنائهن لأنكرته، أو لأنكرت نفسها، ثم لكانت منها نفرة من الاتصال برجلها «يوسف» ومعاودة الحمل والولادة! فهو- أي عيسى- إن يكن إلها فقد ولدته، ولا يعقل أن تلد إلها أو آلهة غيره.. وإن يكن خلقا آخر، غير الإله، وغير البشر. فلن تطاوعها نفسها على الدخول فى تجربة جديدة، تلد بها أعجوبة أخرى! ولكنها إذ لم تنكر من وليدها «يسوع» شيئا، ولم تر فيه غير ما ترى الأمهات فى أطفالهن، مضت فى طريقها، طريق الأمومة، الذي تسلكه الأمهات! واتصلت برجلها «يوسف» فولدت منه بنين وبنات!! أين يضع العقل المسيح؟
والعقل إذ يواجه المسيح، وإذ يلقاه على هذا الوجه الذي عرفته الحياة منه، وسجله التاريخ له- لا يمكن أن يخرجه عن دائرة البشرية، أو يعزله عن عالم الإنسان..
والمسألة هنا هى: أين يأخذ المسيح مكانه من الناس، وأين المكان الذي ينزله العقل فيه؟
وهنا نرى «المسيح» يأخذ أوضاعا مختلفة، وينزل منازل متباينة..
حسب وزن العقول له، وتقديرها لشخصيته، وحسابها لمقومات تلك الشخصية! وإذن فلا نستبعد أن نرى «المسيح» يأخذ مكان القمة من الإنسانية، كما لا نستغرب إذا رأيناه ينزله منزلة الحضيض فيها.. ففى هذا الفراغ الهائل، بين السطح والقاع، يتحرك الناس، وفيه يتقلّبون، بحيث يملأ بهم هذا الفراغ كلّه! والمسيح- فى هذه النظرة- واحد من آحاد الناس، وللناس أن ينزلوه