التفسير: فى العطف بثمّ هنا على الآيات السابقة ما يشير إلى أن هذا الخبر الذي تضمنته، متأخر زمنا عن الأحكام الواردة فى تلك الآيات.. وهذا يخالف الظاهر.. فإن ما نزل على النبىّ من آيات تلاها على الناس، هو متأخر زمنا عن الكتاب الذي نزل على موسى، وهو التوراة.. فما تأويل هذا؟
والجواب: أن هذا الذي يتلوه الرسول الكريم من كلمات ربه هو متقدم حكما على كتاب موسى، وإن جاء متأخرا زمنا.. ذلك أن القرآن الكريم هو أصل الكتب السماوية، وأنه جمع ما تفرق منها. وقد أشرنا إلى ذلك عند تفسير قوله تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ» (48: المائدة) .
فإن ما أنزل الله على موسى، هو مما شرع الله من قبل للأمم السابقة، فيما جاء على لسان نوح وإبراهيم، وغيرهما من الأنبياء.. إذ أن شرع الله واحد، وهذا الذي تلاه النبىّ من كتاب الله هو أصل كل شريعة، وقوام كل دعوة سماوية، سبقت شريعة موسى، أو جاءت بعدها.
وقوله تعالى: «تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ» هو وصف للحال الذي نزل عليها الكتاب الذي جاء به موسى، وهو أنه جاء تاما على أحسن ما يكون عليه التمام، كما جاء مفصلا لكل شىء.. ففى التوراة بيان مفصل لكل جزئية جاءت بها الشريعة الموسوية، فيما يتصل بالعقيدة، أو بالأمور