معاشها، إذ يقول جل شأنه: «وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها» (6: هود) فالموقف السلبي أو العنادىّ من سنن الله، هو الذي يخرج الكائن الحىّ- بل وغير الحىّ- عن طبيعته، وفى هذا ضياعه، وفساد أمره.
وهؤلاء رسل الله، والمصطفون من عباده.. إنهم لو أهملوا عقولهم، وعطّلوا ملكاتهم، لما فتح الله لهم طريق الهداية، ولما يسّر لهم التعرف إليه، ولكنهم أخذوا بالوسائل الموصلة إلى الهدى، فأخذ الله بنواصيهم إليه، ومكّن لهم من الإيمان.. ولو أنهم كانوا على مثل هذا الموقف الذي وقفه ويقفه المشركون والكافرون، لكانوا فى مربط الشرك والكفر، ولضلوا وضل عنهم الطريق إلى الله، وإلى صراطه المستقيم.
وفى قوله تعالى: «وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» ، وفى تعدية الفعل «حبط» بحرف الجرّ «عن» وهو فعل لازم لا يتعدى- فى هذا إشارة إلى أن الأعمال التي يعملها الإنسان من شأنها أن تكون درعا يحميه، ووقاية يتقى بها ضربات الحياة، أمّا أعمال المشركين فإنها سراب خادع، يتخلّى عنهم وقت الحاجة والشدة، وهذا هو السرّ فى تضمين الفعل «حبط» معنى الفعل: تخلى، أو ذهب، أو غاب.. ونحو هذا.
وقوله تعالى: «أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ» .. الإشارة هنا إلى هؤلاء الأنبياء والرسل الذين ذكروا فى الآيات السابقة، فبعضهم آتاه الله الكتاب، فكان رسولا بهذا الكتاب الذي بعثه الله به، وبيّن فيه أحكام شريعته.. وبعضهم أوتى الملك والحكم، وهو نعمة من نعم الله، وسلطان مبين يقيم به- من وفّقه الله- ميزان العدل والحق بين الناس، فيهدى ضالّهم ويقوّم سفيههم، ويحفظ أمنهم وسلامتهم.. وتلك رسالة لها خطرها