التفسير: مثل آخر من بنى إسرائيل تعرضه الآية الكريمة لأنظار المسلمين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلّا أن يقولوا ربنا الله.. وفى هذا المثل يرى المسلمون صورة كريهة للمهانة والذلة تركب القوم، فإذا هم جبناء أذلّاء، لا يدفعون عن حرماتهم، ولا يردّون يد العدوّ المتسلط عليهم! إن هؤلاء الملأ من بنى إسرائيل- وهم سادة القوم وأشرافهم- هم أبناء أولئك الذين أماتهم الله ثم أحياهم، بأن أدخلهم الأرض المقدسة، وجعل لهم مقاما فيها، فلما ركبهم البغي والعدوان سلط الله عليهم من بدّد شملهم، وخرب ديارهم وأزال ملكهم، ونبذهم بالعراء فى تيه أشبه بالتيه الذي عاش فيه سلفهم.. وإذ دبّ فى القوم دبيب الحياة، وتحركت فيهم أثارة من نخوة ورجولة قالوا لنبيهم: اختر لنا ملكا نجتمع إليه، ونقاتل تحت رايته، لنستعيد ملكنا، ونجتمع إلى ديارنا! ونبيهم يعلم من أمرهم ما لا يعلمون، ويرى من أنفسهم ما لا يرون.. إنهم أكثر الناس أقوالا وأقلّهم أفعالا.. يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم! «قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» .
فيلقاهم النبىّ بما يتوقع أن يكون منهم..
«قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا؟» .
وتأخذهم الحميّة، وتغلب عليهم شهوة القول.. فيقولون:
«وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا؟» ..
إنهم يجدون أكثر من دافع يدفعهم إلى القتال.. لقد أخرجوا من ديارهم وأموالهم، وشرّدوا هم وأبناؤهم.. فهل يصبر على هذا الضيم أحرار الرجال؟
ولكن أين هم الرجال؟