من بعده؟ وإذا كان من تقدير الله ألا يكون للمرأة مثل هذا الحق، أفكان من التدبير الحكيم أن يلوّح لها بهذا البر وتلك المواساة فى آية كريمة، ثم تحرمه وتذاد عنه بآية أخرى من آيات الكتاب الكريم؟
وإذا أقمنا الآية الكريمة على تلك الموازين التي يزن بها علماء التفسير ضوابط الناسخ والمنسوخ، نجد أن أهمّ الاعتبارات التي جاء من أجلها النسخ عندهم هى:
1- التدرج فى الأحكام، رحمة بالناس، وتخفيفا عليهم، وذلك حين يكون الحكم متعلقا بعادة متأصله فى النفوس، ثم تقضى الشريعة بتحريمه، فإنها حينئذ لا نفجأ الناس بهذا الحكم مرة واحدة، بل تدخل عليهم به على عدة مراحل، فى رفق وأناة، وفى تدرج.. من الخفيف، إلى الثقيل، إلى ما هو أثقل منه، كما حدث ذلك فى تحريم الخمر والربا، على ما يقولون فى الآيات الناسخة والمنسوخة فيها، وهو ما لا نقول به، كما عرضنا له من قبل.
2- التخفيف على الناس، مراعاة لتغير الظروف.. كما كان الأمر فى قتال المسلم عشرة من المشركين، وذلك فى أول الإسلام، فلما كثرت أعداد المسلمين، خفف الله عنهم، هذا فكان على المسلم قتال مشركين اثنين بدلا من عشرة.
3- تغليظ الحكم لا تخفيفه، وذلك لتغير الظروف أيضا.. فلم يكن على المسلمين قتال فى أول الدعوة الإسلامية، ثم لما دخل فى الإسلام الأنصار واجتمع إليهم المهاجرون أذن الله لهم فى قتال من قاتلهم.. ثم لما قويت شوكة الإسلام ودخل الناس فى دين الله أفواجا جاء الأمر بقتال المشركين متى طالتهم يد المسلمين.
تلك هى أهم الضوابط التي رآها علماء التفسير داعية إلى نسخ ما نسخ من آيات الكتاب الكريم.