التفسير: شنّع المشركون على المسلمين لأن قاتلوهم فى الشهر الحرام، ووقع فى نفس المسلمين شىء من الحرج من القتال فى الأشهر الحرم، وجالت فى أنفسهم خواطر التساؤلات، فجاءت آيات الله تجلو هذا الموقف، وتكشف هذا الحرج.
وقد بيّن القرآن الكريم فى قوله تعالى: «الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ» موقف المسلمين من حرمة الأشهر الحرم إذا بدأ هم العدو بقتال فيها، وأنه لا حرمة لهذه الأشهر حينئذ، إذ كانت حرمة دمائهم فوق كل حرمة!.
وهنا جاء قوله تعالى: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ، قِتالٍ فِيهِ» تحريرا للسؤال الدائر فى شعور المسلمين وعلى ألسنتهم.. وقوله تعالى: «قِتالٍ فِيهِ» بدل من الشهر الحرام.. أي يسألونك عن الشهر الحرام.. أي يسألونك عن الشهر الحرام، عن قتال فيه.
وكان قوله تعالى: «قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ» - جوابا شافيا لهذا السؤال الحائر.
ومفهوم هذا الجواب: أن القتال فى الشهر الحرام إثم كبير.. ولكن الصدّ عن سبيل، والكفر بالله وبالمسجد الحرام بما استباح المعتدون من حرمته، وإخراج أهله المؤمنين به من جواره.. كل هذه الحرمات المستباحة أكبر فى استباحتها إثما من استباحة القتال فى الشهر الحرام.. إذ الفتنة أكبر من القتل، والمشركون يعرضون المؤمنين للفتنة فى دينهم بصدّهم عن سبيل الله، وإخراجهم من ديارهم بالبلد الحرام.
وفى قوله تعالى: «وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ، عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ