ما فى أيديهم من هذه الدنيا التي آثروها على كل شىء، وباعوا لها أنفسهم، ولبسوا من أجلها أثواب الرياء والنفاق، ثم هم مع هذا ينظرون إلى الذين آمنوا نظرا ساخرا هازئا، إذ يرونهم على غير ما هم فيه من حرص على الدنيا، ومن استجلاب شره لما فيها من لذات وشهوات، فتلك هى نظرة أصحاب الدنيا إلى أهل الإيمان والتقوى، وذلك هو الميزان الذي يضعون أنفسهم فيه مع المؤمنين، فيرون أنهم أرجح ميزانا، وأعلى مقاما!.
ولكن هذه النظرة ستتغير، وهذا الميزان سوف يتبدل، وذلك يوم الحساب الأكبر، يوم يوضع الميزان الحق بين الناس، فإذا أهل الدنيا فى بلاء وضنك، وإذا المؤمنون فى نعيم مقيم ورضوان دائم.. «فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ» .
وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» معدول به عن أن يقال: «والذين آمنوا فوقاهم يوم القيامة» الذي كان يقتضيه سياق النظم، حيث كان الموقف بين الذين كفروا والذين آمنوا.
وفى وضع الذين اتقوا مكان الذين آمنوا إشارة إلى أن الإيمان مجردا من العمل الذي يلبس به صاحبه ملابس التقوى- هذا الإيمان لا يؤهل صاحبه لرضوان الله، ولا يرفعه إلى تلك المنزلة الرفيعة، وهذا المقام المحمود.